الفكرة المتعلقة بزمن النشأة وبمستوى العلوم الإسلامية في القرن الثاني/ الثامن، وأن الاستنتاجات المستنبطة من ذلك مرهون بعضها ببعض، وتكسب بعضها بعضا قوة إقناع. وإذا ما أريد إبداء الرأي في الأسباب المطروحة من قبل كراوس، فالأمر وما هو متوقف بالدرجة الأولي على وضع الفكرة القديمة تلك موضع تساؤل وعلى تمحيصها على ضوء المعلومات الجديدة وعلى ضوء النتائج التي توصل إليها مع الوقت. ثم يطرح السؤال من جديد فيما إذا كان علم جابر المبيّن في مؤلفاته، لا يتفق مع مستوى العلوم في القرن الثاني/ الثامن حقّا. وبعد التوصل لقرائن كافية يمكن طرح السؤال المضاد:
ترى أليست هناك نتائج تستنبط من مقارنة بين علم جابر وبين المستوى العلمي لزمن نشأة زمن المجموع الذي أخذ به كراوس، تضطرنا إلى قبول القرن الثاني/ الثامن، زمنا ألّف فيه مجموع جابر؟ وللإجابة على هذا السؤال سترد إضافة لذلك مناقشة الاعتراضات التي أبداها كراوس.
إن الفكرة العامة السابقة التي تقول بالنشأة المتأخرة للعلوم الإسلامية تعارضها كلّ الحجج والآراء الواردة في كل باب من أبواب هذا الكتاب تقريبا، وبالتالي فهي تعارض أيضا ذلك التأريخ الشائع لمجموع جابر. وحريّ أن ينوه هنا أكثر ما ينوه إلى أن العلوم الإسلامية بدأت بكل فروعها تقريبا في القرن الأول/ السابع تقريبا، وأنها تشكل استمرارا مكثفا لعلوم الشعوب المتأثرة بالهلّينية، التي «العلوم» كانت بدورها تطورا متواصلافي اتجاهات مختلفة للعلوم اليونانية. هذا وترجع الترجمات الأولي للكتب الفكرية والكتب العلمية الطبيعية عن اللغة اليونانية والسريانية والفارسية الوسيطة، إلي القرن الأول/ السابع. ومنه فقد توافر للعالم الذي كان يكتب باللغة العربية في القرن الثاني/ الثامن، توافرت له ترجمات جمة عن اللغات الآنفة الذكر وعن اللغة الهندية أيضا، كما توفر له أحيانا أعمال العلماء أنفسهم الذين كتبوا باللغة العربية واللغة السريانية. وعليه، فقد كان المصطلح العلمي العربي قد قطع مرحلة كبيرة من التطور بحيث لا يجوز لنا بعد ذلك أن نضلّل بالرأي القائل إنّ مدرسة حنين هي التي أنشأت المصطلحات العلمية للترجمة.