ولم يكن للكتب اليونانية الأصيلة والقديمة الدور الأهم في نشأة العلوم العربية، وإنما كان هذا الدور للكتب المتأخرة، وبخاصة للكتب المزيفة، التي صنّفت من قبل مختلف الشعوب الإغريقية باللغة اليونانية وبلغات أخرى. ويبدو أنه كان للكتب التي ترجع الى القرن الأخير قبل الإسلام أهم دور في نشأة العلوم العربية، إذ سبقت ترجمات هذه الكتب، بوجه عام، ترجمات الكتب اليونانية الأصيلة الأصلية. ولم يعد للرأي القائل بأن الكتب المزيفة القديمة المنسوبة إلى العلماء، هي زيوف العرب، لم يعد له ركيزة يقوم عليها (انظر المجلد الخامس من، (gas وقد قدمت لنا تلك الكتب المترجمة إلى اللغة العربية وثائق نفيسة بالنسبة لدراسة الأعمال العلمية خلال القرون الأخيرة التي سبقت الإسلام، كما تعد هذه الكتب، من جهة أخرى، أهم مصادر العلوم العربية.
انطلاقا من هذه الاعتبارات، نود أن ندرس بعض بيانات مجموع جابر. وكما ذكر آنفا فإن جابرا ذكر لنا أسماء بعض العلماء من العهد الإسلامي، لم يكونوا من أهم مصادره، لكن لذكرهم أهمية فيما يتعلق بفكرتنا حول نشأة العلوم العربية المبكرة، وبموضوع شخصية جابر التاريخية. فلقد ذكر من الصنعويين القدامى في العهد الإسلامي مريانس وتلميذاه خالد بن يزيد والراهب- وغالبا ما ذكرت علاقة بعضهم ببعض في مصادر أخرى (مختار رسائل ص ٥٢٩) - كما خصص للراهب كتابا صنعويّا وصل إلينا (كراوس، i ص ١٠٧، مختار رسائل ص ٥٢٨ - ٥٣٢)، وروي لخالد بن يزيد، أبي الصنعة العربية، قصيدة في الصنعة (كراوس، i ص ١٣٧). ويبدو أنه توافرت له أشياء مكتوبة لأستاذ آخر، عمّر طويلا هو «حربي الحميري» فابن النديم يسرد (ص ٣٥٧) بين كتب جابر، كتابا هو «كتاب مصححات حربي» وكثيرا ما أحال جابر إليه (كراوس ii ص ٢٦١). كذلك خصص في كتابه «كتاب الذهب» بابا للتدابير التي أخذها عن حربي (١). ويذكر جابر في العديد من مؤلفاته بأنه تلميذ لجعفر الصادق (ت: ١٤٨/ ٧٦٥، انظر قبله ص ١٩١) ويكرر القول إنه يدين بعلمه إلى جعفر، ولكنه لم يذكر له أي كتاب.
(١) «باب أخذته من أستاذي حربي لأنه كان يعمل به» (كراوس، i ص ١١٣).