للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ونود الآن أن نناقش الموضوع بتفاصيله. يذهب كراوس إلى أن جابرا اقتبس مصطلحات القرامطة والإسماعيليين، من ذلك مثلا: «ناطق» و «صامت». وأنه خلافا لمذهب القرامطة الرسمي فلقد فضّل «الصامت» عند جابر على «الناطق»، وهذا يعنى بدوره أن العلم الباطن متفوق على العلم الظاهر في المرتبة. وهذا يتناقض أولا مع رأى كراوس المذكور آنفا من أن جابرا أكد أن محمد بن إسماعيل هو الإمام الحقيقى، الأمر الذي يقتضى أن يكون جابر إسماعيليّا. ثانيا: يفتقر الرأى الذى يفيد أن جابرا يفضل العلم الباطن على العلم الظاهر، يفتقر إلى أى أساس فلقد سبق وذكر من قبل (انظر الصفحة السابقة ٢٧١) أن جابرا لا يفضل العلم الباطن على العلم الظاهر.

أما بقية كلام كراوس (انظر قبله ص ٢٦٨) فيتألف من تركيبة غريبة كان الأولى بكراوس أن يتحاشاها لو أنه لم يشأ أن يستغل النص غير المقروء مهما كان ويعطيه معنى ما، ولو أنه بدلا من ذلك، وبالرجوع إلى البيانات المتصلة بهذا وفي الباب ذاته، عمل على تكوين صورة مناسبة لمفاهيم جابر المتعلقة ب «الصامت» و «الناطق». ولهذا السبب أساء كذلك فهم النص العربى التالى: «إن الصامت أول الأشياء كلها، الذى لا أول له إلا بالاتصال كأنه نحو الفعل من الفاعل». ونود نحن أن نقرأ كلمة «الصامت»، «صمتا» وعندها يصبح النص هذا على النحو التالى: «إن الصمت أول الأشياء كلها، الذى لا أول له إلا بالاتصال (١) كأنه نحو الفعل من الفاعل». ولقد ضرب جابر أمثلة عديدة ليبين من خلالها أن «الصامت» كان من حيث الزمن قبل «الناطق» وكأنه أراد أن يضفي على هذا تفسيرا فلسفيّا، فهو يذكر في موضع آخر لا يدعو للالتباس: «فأما الفرق بين الإمام والنبى أن النبي «ناطق» والإمام «صامت».

والنبي آمر والإمام مأمور ... » (٢). ويتضح من سياق الكلام في الباب ذاته أن الإمام، هو المتقدم السابق أى الصامت إبان حياة النبي والناطق فيما بعد. والأمر ذاته بالنسبة للأتباع فكل «صامت يصير ناطقا».


(١) مختار رسائل ص ٤٩٧ (لقد ورد خطأ مطبعي في الأصل إذ جاء ص ٤٩٢. «المترجم»).
(٢) أميل إلى قراءة كلمة «اتصال» الموجودة في النص، قراءتها «انتقال».