إنّ مؤرخ الحضارة والعلم الإسلاميين الذي يسلّم بصحة كتب جابر، يصطدم بالطبع بقضية كيف تطورت الشروط الأولية التي استطاع جابر بموجبها أن يصنّف، حتى قبل عام ١٥٠ هـ، جزءا كبيرا من كتبه الصنعوية بل عالج فيما، عالج فيها نظرية الميزان. فلم يدرس على العموم تطور العلم الإسلامي بعد في تلك الحقبة بما يستحقه، ولا يرجع السبب لافتقار فى المادة وإنما إلى شك إزاء أعمال تلك الحقبة، شك تجاوز الهدف فصرف أهل البحث عن الاشتغال بها أو أضلهم طريقهم.
هناك من الدلائل التاريخية المتوافرة في المتناول ما تكفي أن تقدم لنا معلومات حول النشأة المبكرة للصنعة العربية وتتيح لنا تكوين فكرة عن الشروط الأولية للصنعة الجابرية وقد وصلت إلينا مواد غزيرة للغاية تتعلق بالأوليات لأهم جانب من جوانب الحقبة المبكرة من صنعة جابر والذي يمثل بلا شك معرفته بنظرية الميزان. ويكفي أن نذكر هنا من تلك المواد ترجمات كتب زوسيموس، وقد كان هذا مرجع ثقة بالنسبة لجابر فيما يتعلق بنظريته في «الميزان» التى لم تكن قد اكتملت تماما بعد، وكذلك كتاب بليناس «كتاب الأصنام» الذي عول عليه جابر كثيرا في نظريته. ومما ينبغي القيام به تجاه هذه الكتب أن تعتبر ترجمات للكتب المزيفة التى كانت قبل الإسلام، بدلا من اعتبارها تزويرا عربيّا، كما ينبغى دراسة تأثيرها علي أقدم مراحل علوم الطبيعة الإسلامية.
لقد كان لنظرية الميزان في أقدم كتب جابر، أي في مجموعي المائة (الذى صار ١١٢ فيما بعد) والسبعين كتابا كان لها، كما أوضح كراوس، صورة بدائية عرفت ب «الوزن»(١) وكانت ضرورية للتدابير الصنعوية. وقد اتخذ هذا العلم شيئا فشيئا طابعا رياضيّا استقرائيّا في الكتب المتأخرة من كتب الموازين، على حسب ما وصله من مصادر جديدة، من أمثال كتب سقراط المزعوم وفرفوريوس المزعوم، التي فضلها على غيرها. ويدلتقلّبه في استعمال الأعداد ١٨ ثم ١٧ و ١٤٤ و ١١٢ على [وقوفه على مصادر] مختلفة.