للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يستنتج من هذا الإيجاز أن جابرا كان يرى فى الكيمياء أنها نتيجة تطور عبر قرون، ولو أنه لم يعلم أن الجزء الأعظم من المؤلفات التي وصلته كان مزيفا وأن من امتدحهم من الثقات لم يكن لهم في الحقيقة دور مباشر، بل لم يكن لبعضهم أي دور في الكيمياء على الإطلاق. وهكذا، فإن مجموع جابر يعني خاتمة التطور السابق كما يعني التقنين والتصنيف الأخيرين في الكيمياء، فإلى جانب الشكل النظري المتكامل الموثق بالمنطق العلّي، فإن كيمياء جابر- تمشيا مع ما ذكره هولميارد (انظر بعده ص ٢٠١) - تعد بما نالها من «تغيير، علما تجريبيّا منتظما»، وهي بذلك تستحق، بلا شك، اسم «كيمياء».

لا يمكن، اعتمادا على الدراسات السابقة، وبحكم تعلقها بالتأريخ الرائج بالنسبة لبعض المؤلفات والعلماء، لا يمكن التعرف بسهولة على المسار الذي اتخذه هذا العلم في أوساط العلماء المسلمين- العرب. ومما يلفت النظر أن العرض المتعدد الوجوه لموضوع ما في كتب جابر، لا يلاحظ عند الرازي، وأن كيمياء الرازي تخدم الأغراض العملية فحسب. ففي هذه الناحية، يبدو أن الكيمياء في مؤلفات الرازي وابن سينا وأبي الحكيم الكاثي (نحو ٤٢٦ هـ/ ١٠٣٤ م)، قد تقدمت بعض الشئ.

إلا أن ظاهرة مهمة في تاريخ الكيمياء العربية- الإسلامية لا ينبغي تجاهلها وهي أن التطور لم يكن تطورا مستمرا وأن الأجيال المتأخرة لم تع أهمية العلم الذي أسسه جابر وعيا شاملا. يكفي أن يستشهد هنا بأن الفارابي الذي جاء بعد أكثر من مائة سنة لم يفهم من هذا العلم إلا أنه تحويل المعادن (انظر بعده ص ٤٢٦) وأن معاصره ابن أميل اتبع كيمياء القدامى المرموزة وانتقد هيكل أفكار جابر (انظر بعده ص ٤٢١).

***