أعطي لهم ومجالات الثقافة التي تلقوها». وهذا رجل صادق، عرف الحق فقاله، ولم يضيع نفسه ويضيعنا في متاهات التفلسف والتنظير واللف والدوران.
ثم إنه أحسن الله إليه قد وضع القضية في حاق موضعها: ماذا يتلقى طالب العربية الآن في كليات اللغة العربية وأقسامها بالجامعات؟ أمشاج من قواعد النحو والصرف مطروحة في مذكرات يمليها الأساتذة إملاء أو يطبعونها طبعات تزيد عاماً وتنقص عاماً، واختفى الكتاب القديم لتحل محله هذه المذكرات والمختصرات، ودفع الطلاب دفعاً إلى الملل من قراءة الكتب، و «المللُ من كواذب الأخلاق» كما قال عمرو بن العاص رضي الله عنه.
إن هجر الكتاب القديم - وهو وعاء العلم ومستودع التراث - والاستعاضة عنه بالمذكرات والمختصرات، قد حجب عن هذا الجيل كوى النور، وحلأهم عن موارد العلم ... وكان من أخطر الأمور ردُّ ذلك إلى التيسير والتسهيل والتخفيف على الناشئة، ولقد مضينا في التيسير والتسهيل خطوات وخطوات حتى انتهينا إلى هذا الذي نشكو منه ونضيق به، ونسأل الله السلامة منه.
على أن تيسير النحو قد سلك دروباً مظلمة، فليس من التسهيل والتيسير أن تدع «زيداً وعمراً» في التمثيل لتقول: «سمير وأشرف»، وليس من التسهيل والتيسير أن تترك التمثيل على القاعدة النحوية بالشاهد القرآني والحديثي وأشعار العرب وأمثالها لتكتب قصة متكلفة عن نزهة في القناطر الخيرية، أو زيادة إلى أهرامات الجيزة، أو حكاية عن الفلاح في الحقل، لتستخرج من كل ذلك شواهدك على القاعدة النحوية والصرفية.
وليس يشك عاقل في أن التمثيل لتقدم المفعول على الفاعل بمثل:«قطف الوردة طفل» ليس في قوة الاستشهاد بقوله تعالى: {وإذ ابتلي إبراهيم ربه}[البقرة: ١٢٤]، وقوله:{إذ حضر يعقوب الموت}[البقرة: ١٣٣]، وقوله:{إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله}[آل عمران: ١٤٠]، وقوله:{لن ينال الله لحومها ولا دماؤها}[الحج: ٣٧]، وقوله:{إنما يخشى الله من عباده العلماء}[فاطر: ٢٨]،