أسطر في أعلى الصحيفة، بخط كبير، وسائر الصحيفة بخط دقيق، شرح لما فوق، ويقبل التلاميذ على ذلك ولا ينفرون، فإذا قدم لهم شيء يشبه ذلك بالعربية نفروا منه نفوراً شديداً. ومن عجيب الأمر أن الكتب التي كنا ندرسها بالإنجليزية كان ورقها أصفر، والورق الأصفر لعله ألين على عين القارئ من الرق الناصع الأبيض».
ملحوق التراث بجريدة المدينة المنورة بالسعودية - ٢١ من ربيع الأول ١٤٠٨ هـ = ١٢ من نوفمبر ١٩٨٧ م.
فهذا الذي يراه الدكتور زكي نجيب محمود «نتفة من الماضي عسيرة الهضم قد تصيب المعدة بالأذى»، هو عند النظر والتحقيق أساس العلم ومدخله، بل هو الغذاء الذي تصح به المعدة، وتتكون عليه الأنسجة والخلايا، وما دخل علينا البلاء، واستبد بنا الضعف إلا يوم أن هجرنا هذه الضوابط الكلية، ونفرنا من الحفظ، واجتوينا النصوص، ثم غرقنا في البحث النظري الذي أسلمنا إلى التجريد والمطلق.
أما إشفاق الدكتور الفاضل على الصبي الذي هو في الحادية عشرة، أن يؤخذ إلى هذه التراكيب والمصطلحات المعقدة التي تصيب المعدة بالأذى فإن الدكتور الكريم يعلم علماً ليس بالظن أن من أصحاب هذه السن في جيله من أتم حفظ القرآن الكريم، وحفظ إلى جانبه شيئاً من المتون، مثل (متن نور الإيضاح) في فقه الحنفية، أو (متن العشماوية) في فقه المالكية، أو (متن أبي شجاع) في فقه الشافعية، أو (متن زاد المستقنع) في فقه الحنابلة، إلى جانب (متن الآجرومية) الشهير ...
وإني أعيد هنا ما ذكرته من قبل: أن أساتذتنا الذين كتبوا في الدراسات اللغوية والنحوية الحديثة وشرَّقت كتبهم وغرَّبت، ينتمون جميعاً إلى جيل الحفظة: حفظة القرآن والمتون والحواشي والمصطلحات، وما كان لهؤلاء الأساتذة أن يكتبوا ما كتبوا لو لم يحفظوا منذ الصغر:«إذا ... ظرف لما يستقبل من الزمان خافض لشرطه منصوب بجوابه»، وأخواتها مثل:«لا يجمع بين العوض والمعوض عنه»، «اجتمعت الياء والواو وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت في الياء. وذلك في مثل سيَّد».