للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا زلنا نحن أبناء الجيل التالي الذي تستطيع أن تشم فيه رائحة العلم، لأننا وردنا الماء صافياً قبل أن تكدره الدلاء، ولأننا أدركنا معاهد العلم قبل أن يدهمها السيل، أقول: لا زلنا نذكر هذه المشاكل النحوية التي التقينا بها في طراءة الصبا وريق الشباب، مثل إعراب قوله تعالى: {إن هذان لساحران} وكيف رفع {هذان} وهو اسم {إن}، وتوجيه الرفع في قوله تعالى {والصابئون} في الآية الكريمة {إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون ... } [المائدة: ٦٩]، واختلاف المعنى باختلاف حركة الإعراب على الراء في قوله تعالى: {ولا تمنن تستكثر ((٦)} [المدثر: ٦]، وعود الضمير على غير مذكور في قوله تعالى: {حتى توارت بالحجاب (٣٢)} [ص: ٣٢]، أي الشمس، والمصدر المتصيد في قوله تعالى: {وإن تشكروا يرضه لكم} [الزمر: ٧]، أي الشكر، وقوله: {ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا} [الإسراء: ٦٠]، أي التخويف.

وقوله: {ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرًا لهم} [آل عمران: ١١٠]، أي الإيمان، ثم في مثل قول الشاعر:

إذا نُهي السفيه جرى إليه ... وخالف والسفيه إلى خلاف

أي جرى إلى السفه ..

كل هذا كنا نستظهره ونديره على ألسنتنا في سهولة ويسر، كانت أسناننا في تلك الأيام لا تتجاوز الخامسة عشرة ... نعم كل هذا عرفناه وخبرناه، وجرى منا مجرى المحفوظات والمأثورات، فأورث ملكة في النحو، وأكسب إحساساً بالعربية في أبنيتها وتراكيبها، حتى إذا غبي علينا شيء من هذه الأبنية والتراكيب فزعنا إلى ذلك المذخور من أيام الصبا، فأسفر وجهه، ودن عصيه ... فهل عند أبناء اليوم من ذلك شيء؟

ولا يصح أن يقال: إن هذا الذي ذكرته كان سمة التعليم الديني أو التعليم الذي تغلب عليه العربية، كالذي في الأزهر الشريف ودار العلوم، فإن الدكتور الفاضل يعلم علم اليقين مواد العربية التي كانت تقدم لتلاميذ المدارس في التعليم العام، أو الأميري.

وأمامي الآن طبعة ثانية من «معجم المصباح المنير» للفيومي المتوفى سنة

٧٧٠ هـ، وتاريخ هذه الطبعة ١٩٠٩ م، وكتب على صدرها «قررت نظارة المعارف العمومية طبع هذا الكتاب على نفقتها واستعماله بالمدارس الأميرية»، وكذلك يعلم الدكتور كتب التراث التي كانت مقررة على طلبة المدارس الثانوية، مثل «البخلاء» للجاحظ، الذي نشره أحمد العوامري بك، وعلي الجارم بك سنة ١٣٥٦ هـ = ١٩٣٨ م، و «نقد النثر» المنسوب إلى قدامة بن جعفر - وثبت فيما بعد أنه البرهان في وجوه البيان لابن وهب - الذي نشره الدكتور طه حسين، والأستاذ عبد الحميد العبادي سنة ١٣٥٦ هـ = ١٩٣٧ م، وقد قررته وزارة المعارف

<<  <  ج: ص:  >  >>