قام تراثها على الرواية والتلقي والمشافهة والتوقيف، والكتب وحدها لا تصنع عالماً.
وقد قال أبو الفتح ابن جني فيما وقع له من كلام شيخه أبي علي الفارسي:«ولمثل هذه المواضع يُحتاج مع الكتب إلى الأستاذين» - شرح تصريف المازني ١/ ٢١٠ - ، وقال ابن قيم الجوزية:«ولمثل هذه الفوائد التي لا تكاد توجد في الكتب يُحتاج إلى مجالسة الشيوخ والعلماء» بدائع الفوائد ١/ ١٠١، وإذ قد وضح لي بعض الطريق جمعت طائفة من تلك الألفاظ والتراكيب التي خطَّأها الناس، ورأيت صوابها أو استعمالها عند بعض أهل العلم قديماً، وأكتفي من ذلك هنا ببعض النماذج التي تمهد لما أردته من ضرورة التحري والمراجعة أمام كل تخطئة أو تضعيف:
١ - يُخطئ بعضهم استعمال «النفس» في غير التوكيد، يريدون أنك تقول:«الشيء نفسه، ولا تقول: نفس الشيء». وقد وجدت استعمال هذا الذي يخطئونه في كتاب سيبويه ١/ ٢٦٦ - وحسبك به - وذلك قوله:«وتجري هذه الأشياء التي هي على ما يستخفون بمنزلة ما يحذفون من نفس الكلام»، وقوله أيضاً في ٢/ ٣٧٩ وذلك قولك:«نزلت بنفس الجبل، ونفس الجبل مقابلي».
وقال الجاحظ في الحيوان ١/ ٧٦:«ولا بد للترجمان من أن يكون بيانه في نفس الترجمة في وزن علمه في نفس المعرفة». قال ابن جني في الخصائص ١/ ٣٤٨:«وإنما جاز ذلك في هذا الموضع لا لشيء رجع إلى نفس «أو» بل لقرينة انضمت من جهة المعنى إلى أو». وقال المرزوقي في شرح الحماسي ص ٨٩٢:«وأشار بقوله الأبد إلى نفس الدهر». بل إن هذا الاستعمال قد ورد عند من هو أقدم من هؤلاء جميعاً، وهو الخليل بن أحمد، شيخ العربية وشيخ سيبويه وذلك قوله في كتاب العين ٨/ ١١٧:«والترباء: نفس التراب».
٢ - يُخطئ بعض النحويين استعمال «قد لا يكون» لأن «قد» لا تدخل على النفي، والصواب أن يقال:«ربما لا يكون». وقد وجدته في كلام ابن جني، قال في الخصائص ١/ ٢٠:«كما أن القول قلا يتم معناه إلا بغيره»، وفي كلام للمرزوقي،