الجاهلية، والفعل منه سَدَنَ يَسْدُن، من باب قَتَل يَقْتُل. قال ابن فارس في مقاييس اللغة:«السين والدال والنون أصلٌ واحد لشيء مخصوص. يقال: إن السدانة: الحِجابة، وسَدَنة البيت: حَجَبَتُه» انتهى كلامه. وقوله:«لشيء مخصوص» قَطَع به طريق المجاز، وأراد أن العرب لم تستعمله في غير هذا المعنى، وأن مثل ذلك لا يُنقل إلى غير معناه الخاص إلا بسماعٍ صحيح ممن يُوثق بعربيته. فبطل إذن - بحمد الله - استعمال «سَدَنة» هنا.
ولم يبق إلا «الكتب الصفراء»، وهو وصفٌ عجيب، كنا نسمعه قديماً ونحن شبَبَبَةٌ صغار، فتفتن به افتناناً، كما كنا نفتتن بمثل «الشعر المهموس»، و «الدَّفْقة الشعورية»، و «تراسُل الحواس»، و «المنولوج الداخلي» فلما أفَقْنا من الغَشْية، وعرفنا الطريق، أدركنا أن ذلك كله مما لا غناء فيه، ولا طائل تحته، وأنه كما قال ابن قتيبة:«ترجمةٌ تروقُ بلا معنى، واسمٌ يَهُول بلا جِسم»، أو كما قال ابن الشَّجري:«تهاويلُ فارغةٌ من الحقيقة».
وقد اختفى هذا الوصف «الكتب الصفراء» زماناً، ثم عاد مرة أخرى، وإذا كنا لا نحفل به إذا جاء في كلام من لا يؤبه له، ولا يُعاج به من صغار الكتَّاب، فإن الأمر يختلف إذا وردفي كلام شاعر كبير مثل الأستاذ أحمد عبد المعطي حجازي، له قراء ومحبون، وأستاذ جامعي مثل الأستاذ الدكتور عاطف العراقي، له تلاميذ ومريدون، ذلك في كلمة له قريبة في الأهرام أيضاً.
وواضح أن ورود هذا الوصف في كلام الأستاذ حجازي والدكتور العراقي، ومن لَفَّ لَفَّهما، إنما هو في مقام الذم والسخرية، بحيث صار استعمال هذا الوصف مرادافًا للأدب الغث والفكر الهزيل المتخلّف.
وإذا كنا لا نرضى لأنفسنا أن نتغلغل إلى المطوي في ضمائر الناس؛ لأن ذلك عند علام الغيوب، وإذا كان الأستاذ حجازي والدكتور العراقي، وكل من استعمل هذا الوصف، لم يقدموا لنا نماذج محددة من أسماء هذه الكتب الصفراء وما تشتمل عليه من ألوان الفكر وضروب الأدب، إذا كان ذلك كذلك، فإن من حقنا أن نقف