عند الدلالة المجردة لهذا الوصف، فنقول ببداهة العقل وبمطلق الدلالة: إن كل فكر جاء في كتب صفراء مرفوض ومطَّرَح؛ لأن الوصف إذا جاء بغير قيد أو استثناء دخل تحته كل أفراد جنسه. ومعنى هذا ببداهة العقل أيضاً، وبمطلق الدلالة أن ديوان الأستاذ حجازي «مدينة بلا قلب» إذا جاءنا في ورق أصفر اجتويناه ورفضناه، وبمفهوم المخالفة: إذا جاءنا هذا الديوان على ورق كوشيه فاخر، كان ذلك رافعاً لخَسِيسَتِه - إن كانت فيه خسيسَةٌ - لا قَدَّر الله ولا قَضى.
ونحن نقولها بكل سلامة الصدر، وبكل خلوص النية لكل من عنده خبرٌ عن حقيقة هذا الوصف: نبئنا بتأويله.
وبكل سلامة الصدر أيضاً وخلوص النية نسأل الأستاذ حجازي، نعم نسأله تعلُّماً لا تعنُّتاً: ما معنى قولك: إن الدكتور طه حسين أخرج الشعر الجاهلي من سدنة الكتب الصفراء؟ فمن هم هؤلاء السدنة - إن قبلنا هذا الاستعمال؟ ما هي أسماؤهم، ثم ما هي أزمانهم؟ ثم ما هذه الكتب الصفراء التي جاء فيها شرح الشعر الجاهلي محرَّفاً ومُزالًا عن جهته، حتى جاء عميد الأدب العربي فنفخ فيه من روحه حتى نهض قائماً على سُوقه؟
إن الشعر الجاهلي قد جاءنا موثقاً مضبوطاً في دواوين أصحابه التي صنعها علماء الصدر الأول، مثل ابن السكيت وابن حبيب وثعلب والسُكري، وفي الشروح الكبرى، مثل شرح المفضليات لأبي محمد الأنباري، وشرح القصائد السبع لابنه أبي بكر، شرح القصائد التسع لأبي جعفر النحاس، وجاءنا أيضاً في المجاميع والمختارات الأدبية التي صنفها فحول العلماء في الصدر الأول أيضاً كالمفضليات والأصمعيات والحماسيات والمختارات، وجاءنا أيضاً منثوراً ومفرَّقاً في كتب الأمالي والمجالس ودواوين الأدب ومعاجم اللغة، بل وفي كتب التاريخ والبلدانيات (الجغرافيا).
وحين ظهرت المطبعة، وتصدى علماء البعث والإحياء لشرح الشعر الجاهلي قرأناه في مؤلفات جلة العلماء، من أمثال الشيخ حسين بن أحمد المرصفي، والشيخ