وما يستقيم أن تبني المدرسة والجامعة، وتهدم المقاهي والأتيليهات والمجلات، على ما قال الأول:
فكيف بناء خلفه ألف هادم ... وألف وألف ثم ألف وأعظم
وأنتم يا أساتذنا الفضلاء - وأنتم من بقية حملة الحجة - ويا زملاءنا من أساتذة الجامعة الأعزاء - وأنتم من بقية جيل الحفظة - لا تتعاملوا مع هذا الذي ينشر ويذاع باسم الشعر، فإنه غريب المنبت مُر المذاق، وليس بأرض قومكم فالفظوه وعافوه، ثم قفوا للأدعياء وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد حفاظاً على تاريخكم واحتراماً للغتكم، وقياماً بحق هذه الأجيال عليكم، أن يردوا الماء الذي وردتم، ويطعموا الطعام الذي طعمتم.
ثالثاً: إن هذه الأمة العربية محفوظة، ولن تخلو الأرض من قائم لله بحجة، ولا زال فينا أهل علم وأهل صدق، ولكنهم قلوا عدداً فأفسحوا لهم الطريق، ولا يصدنكم عنهم جهالة أمرهم، فإن النفيس غريب حيثما كان، كما قال أبو الطيب، ومكنوا لهم أن يظهروا بعلمهم، ولا تضيقوا عليهم فتصيبوهم بالإحباط، والإحباط قديم، قال أبو بكر ابن العربي المتوفى سنة (٥٤٣ هـ): «ارتباط آي القرآن بعضها ببعض حتى تكون كالكلمة الواحدة، متسقة المعاني، منتظمة المباني، علم عظيم، لم يتعرض له إلا عالم واحد، عمل فيه سورة البقرة، ثم فتح الله عز وجل لنا فيه، فلما لم نجد له حملة، ورأينا الخلق بأوصاف البطلة ختمنا عليه، وجعلناه بيننا وبين الله، ورددناه إليه». البرهان في علوم القرآن للزركشي ١/ ٣٦.
ووقع مثل هذا لجلال الدين السيوطي (٩١١ هـ) قال: «ولما شرعت في إملاء الحديث سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة، وجددته بعد انقطاعه عشرين سنة، من سنة مات الحافظ أبو الفضل ابن حجر، أردت أن أجدد إملاء اللغة وأحييه بعد دثوره، فأمليت مجلساً واحداً، فلم أجد له حملة ولا من يرغب فيه فتركته». المزهر في علوم اللغة ٢/ ٣١٤.