وتبقى كلمة: لقد قلت إن هذه الأمة العربية محفوظة. واللهم نعم، فإن من آيات ذلك أني أصادف من طلبتي بين الحين والحين نماذج جيدة، تحب العربية وتحرص عليها وتتزود منها، بل إن منهم من يفتح علي أبواباً من الفهم حين يجاذبني الكلام، وأنا أقول لطلبتي دائماً: إنني جئت أتعلم العلم معكم مرة أخرى، فالعلم رحم بين أهله، والشيخ يستفيد من تلميذه، كما يستفيد التلميذ من شيخه، وكذلك أجد من زملائي المعيدين والمدرسين المساعدين مصابيح علم تتلألأ وتتوهج وسط هذا الظلام الموحش، لكن هؤلاء وهؤلاء في حاجة إلى معلم وموقف، لأن الأصل في علومنا الرواية والمشافهة والتوقيف، ونحن في زمن انقطعت دونه الرواية، وانصرف فيه الأشياخ، وترك طالب العلم وحده يضرب في أرض يهماء، لا ماء فيها، ولا علم بها.
وأنا أقول لهؤلاء المعيدين دائماً: إنكم في جيلكم أحسن منا في جيلنا؛ لأننا أدركنا الزمن الرخي، وأنتم جئتم في الزمان النكد، فنحن وأنتم كما قال أبو الطيب:
أتى الزمان بنوه في شبيبته ... فسرهم وأتيناه على الهرم