(دروشة) في تقييم الرجال والحكم عليهم، وإنما الصواب أن يقال: إنه رجل مثقف مؤسس، واسع الاطلاع، غزير الرواية، سريع اللمح، ذكي اللسان.
وكذلك لم ينصف الشيخ من يقول عنه: إنه وهب حسن العرض، والقدرة على توصيل المعلومات، مع خفة ظل واضحة. فهذا من الدس الخفي، فإذا كانت البضاعة مزجاة فماذا يجدي حسن عرضها؟ كما قيل في أمثالنا العامية:«إيش تعمل الماشطة في الوش العكر؟ »، وللناس في اصنطاع وسائل الذم والتنقص دبيب وخداع، وهو ما قاله سادتنا البلاغيون: تأكيد الذم بما يشبه المدح.
وإن تعجب فعجب أن بعض مثقفينا وأدبائنا يعرض عن الاستماع إلى الشيخ، لاجتماع العامة عليه، وانبهارهم به، وهذا خلف من الرأي وفساد في الحكم، فما ينبغي أن يكون إقبال العامة على الشيخ وإعجابهم به صارفاً للخاصة عن الأخذ عنه والإفادة منه، والحكمة ضالة المؤمن يأخذها أنى وجدها، وقد كانت العامة تصرخ ويغشى عليها في مجلس وعظ الإمام أبي الفرج ابن الجوزي المتوفى سنة ٥٩٧ هـ ولم يصرف هذا الخاصة عن الإفادة منه والأخذ عنه، بل إن كتبه وتصانيفه تعد من الأصول في الفكر العربي الإسلامي، مثل زاد المسير، وتلقيح فهوم أهل الأثر، وتلبيس إبليس، والمنتظم وغيرها.
يقول الرحالة ابن جبير، واصفاً مجلساً من مجالس ابن الجوزي، وقد حضره:«ثم إنه بعد أن فرغ من خطبته برقائق من الوعظ، وآيات بينات من الذكر، طارت لها القلوب اشتياقاً، وذابت بها الأنفس احترافاً، إلى أن علا الضجيج، وتردد بشهقاته النشيج، وأعلن التائبون بالصياح، وتساقطوا عليه تساقط الفراش على المصباح، كل يلقى ناصيته بيده فيجزها، ويمسح على رأسه داعياً له، ومنهم من يغشى عليه فيرفع في الأذرع إليه، فشاهدنا هولًا يملًا النفوس إنابة وندامة، وبذكرها هول يوم القيامة ... » رحلة ابن جبير ص ١٩٧، ١٩٨.
أرأيت أيها القارئ الكريم؟ هذا شبيه ونظير للشيخ الشعراوي منذ ما يزيد على ثمانمائة عام، فلا تعجبن إذا رأيت مستمعي الشيخ على شاشة التلفزيون، وهم بين