وكلك تجد أجود ترجمة وأحسن كلام عن أبي سعيد السيرافي النحوي الكبير في «كتاب الإمتاع والمؤانسة» لأبي حيان التوحيدي، وكان هذا شديد الإعظام لأبي سعيد، والتوقير له (انظر: الإمتاع والمؤانسة ١/ ١٠٨).
وتنتثر التراجم أيضاً في معارف القوم وعلومهم: ففي موسوعات التفسير والحديث والفقه وأصوله وعلم الكلام، وكتب اللغة والأدب وشروح الشعر - بصورة خاصة - وسائر فروع العلم استطرادات مهمة في تراجم الرجال.
وأريد أن أذكر بما قلته في صدر هذه الكلمة، من أن علم التاريخ الإسلامي بمعنى الحوادث والأحداث قد اختلط بعلم التراجم والطبقات، كما أن هذا العلم اختلط أيضاً بكتب التاريخ القائمة أساساً على الحوادث والأحداث؛ دخل كل منهما في نسيج الآخر والتحم به، بل إن علومنا كلها يجذب بعضها بعضاً، على نحو ما قال سفيان بن عيينة:«كلام العرب بعضه يأخذ برقاب بعض».
إن علم التاريخ عند المسلمين ليس كعلم التاريخ عند الأمم الأخرى؛ أحداثاً وتقلبات أيام ودول فقط، إن كتب التاريخ عندنا هي مجلى حضارتنا وثقافتنا العربية والإسلامية كلها.
إن علماء الحديث يخرجون الأحاديث من «تاريخ بغداد» للخطيب البغدادي، وأهل الأدب يجمعون أشعار الشعراء من «تاريخ دمشق» لابن عساكر، وكذلك يجمعون الشعر من كتب الجغرافيا العربية: معجم ما استعجم للبكري، ومعجم البلدان لياقوت الحموي، والروض المعطار في خبر الأقطار للحميري، كما جمعوا منها التراجم من قبل.
بل إن اللغة والشعر يجمعان من كتب النبات وكتب الهيئة، كالذي تراه في كتاب النبات لأبي حنيفة الدينوري، وكتاب الأزمنة والأمكنة للمرزوقي، والحديث في هذا ونحوه مما يطول جداً.