ولقد بلغت السفاهة ببعضنا أن ذهب إلى ناقد ناشئ في تلك الأيام وحرضه على كتاب الدكتور أحمد بدوي، ثم استكتبه مقالة طائشة بجريدة الجمهورية، تطاول فيه تطاولاً فارغاً على الكتاب، فكانت كما قالت العرب في أمثالها:«أوسعتهم سباً وأودوا بالإبل»، وهو مثل يضرب لمن يكن عنده إلا الكلام. والآن وبعد مضي هذا الزمان أستغفر الله مما كان مني من طيش وزلل في حق ذلك الكتاب، فقد كنت أيضاً من الساخرين العابثين، وإنما هي غفلة الصبا وغرارة الشباب، ولا أملك الآن إلا أن أنشد قول الشاعر:
رب يوم بكيب منه مراراً ... ثم لما مضى بكيت عليه
وقول الآخر:
فليت أن زماناً مر دام لنا ... وليت أن زماناً دام لم يدم
وقول الثالث:
عتبت على سلمٍ فلما فقدته ... وجربت أقواماً بكيت على سلم
رجعت إليه بعد تجريب غيره ... فكان كبرء بعد طول من السقم
وأعتقد أن كتاب الدكتور أحمد بدوي قد خرجت منه رسائل جامعية كثيرة، وكذلك كتاب الدكتور بدوي طبانة، فكانا أيضاً كما قالت العرب في أمثالها:«أكلاً وذماً».
ومرة أخرى: لا بد من إعادة النظر في هذا المصطلح «الكتاب المدرسي» وإعادة التوقير له والهيبة. إن متون النحو الأولى مثل الموجز لابن السراج، والإيضاح لأبي علي الفارسي، واللمع لابن جني، وإعراب ثلاثين سورة لابن خالويه، والفصول الخمسون لابن معطي، والآجرومية، وقطر الندى لابن هشام، كلها تآليف صغيرة عملت للمبتدئين في دراسة النحو، فهي كتب مدرسية، ولكنها علامات بارزة في طريق العلم، ونازعة بالثقة في أصحابها واحترامهم وإنزالهم المنزلة العالية. ولم يقتعد ابن جني هذه الذروة الضخمة بكتابه الفذ «الخصائص»