للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يونس بن حبيب: «ليس لعيي مروءة، ولا لمنقوص البيان بهاء، ولو حك بيافوخه أعنان السماء»، راجع البيان والتبيين للجاحظ ١/ ٧٧، ثم انظر مقالة الشضيخ عبد القاهر الجرجاني في فضل البيان، في دلائل الإعجاز ص ٥.

ووجوه الإحسان في تأدية المعاني كثيرة، ومنادجها واسعة، ولا يكاد يظفر بها إلا من وهب لطافة الحسن وخفة الروح ورحابة النفس، والارتياح والطرب لمظاهر إبداع الله عز وجل في هذا الكون، وما بثه في ملكوت السموات والأرض، وما أجراه على ألسنة خلقه، أما «أهل الكثافة» وهم الذين امتحنهم الله بثقل الظل وركود الهواء، فما أبعدهم عن البيان والإحسان:

وهلك الفتى ألا يراح إلى الندى ... وألا يرى شيئاً عجيباً فيعجبا

ثم إن هذه المواهب التي يمتن الله بها على من يشاء من عباده، لا بد لها لكي تؤتي ثمارها عند الأدباء وأرباب البيان، من طول دربة ومعالجة يأتيان بكثرة النظر في الأسالب العالية الشريفة، من بديع الشعر وكريم النثر، ثم معاشرة الأصفياء أصحاب الفطر السوية والطبائع النقية والفرار من مخالطة «أهل الكثافة»، فإن مجالسة الثقلاء حمى الروح كما قال بختيشوع بن جبريل للخليفة المأمون، لطائف الظرفاء لأبي منصور الثعالبي ص ٧٠.

ونحن أمة العرب أمة بيان وفصحاة، ولغتنا معينة على ذلك بما أودع فيها من خصائص شعرية في الحروف والأبنية والتراكيب، ثم هذه الثروة الهائلة من الأسماء والأفعال، والمترادف والمشترك والأضداء، ولغتنا معينة أيضاً على البيان والفصحاة بهذه القوانين الرحبة الواسعة من الحقيقة والمجاز، والسماحة في تبادل وظائف الأبنية، كالذي يقال من مجيء فعيل بمعنى فاعل وبمعنى مفعول وبمعنى مفعل، وتبادل وظائف الإفراد والتثنية والجمع ووقوع بعضها موقع بعض، والتساهل في التعبير عن الأزمنة، كالتعبير عن الماضي بالمستقبل، وبالمستقبل عن الماضي، إذا اقترن بالفعل ما يدل على زمانه، ووقوع بعض حروف الجر مكان بعض، وتذكير ما حقه التأنيث وتأنيث ما حقه التذكير، والحمل على المعنى، والحمل على اللفظ،

<<  <  ج: ص:  >  >>