ولئن كانت مدرسة البيان قد عرفت يومئذ في كتابات الرافعي والمنفلوطي والزيات ومحمد صادق عنبر، فإن سائر الأدباء والكتاب لم يكونوا بعيدين عنها، لأن حسن البيان وتجويد العبارة كانا لازمين لكل كاتب يريد لكتابته أن تقرأ، ولكل مفكر يريد لأفكاره أن تذيع، فلقد كان الأدب ولا يزال خير سبيل لإيصال المعرفة، وسرعة انصبابها إلى السمع وتولجها في القلب واستيلائها على النفس، والبليغ يضع لسانه حيث أراد، وإنك لتجد كثيراً من الدراسات قد جمعت فأوعت لكنها لم تبلغ مبلغها من النفع والفائدة لجفافها وعسرها، و «حسن البيان يري الظلماء كالنور» على ما قال الشاعر.
ولقد كنا في زمان الصبا نظن أن أسلوب «العقاد» معقد، حتى كبرنا واستطعنا أن نميز الخبيث من الطيب، فوقعنا عند «العقاد» على مناطق من البيان وحلاوة الأداء هي الغاية والمنتهى.
وكذلك سائر الكتاب والأعلام ممن لا يصنفون مع الأدباء كانوا أصحاب فصاحة وبيان، فمكرم عبيد السياسي الشهير والمحامي الجهير كان أديباً وصاحب بيان، ثم كان كثير الاستشهاد بالقرآن الكريم، وفتحي رضوان المحامي الضليع وأحد أقطاب الحزب الوطني كان كاتباً صاحب بيان، والدكتور أحمد عمار طبيب النساء الشهير كان لغوياً صاحب بيان، والدكتور محمد كامل حسين طبيب العظام الشهير كان أديباً صاحب بيان، وهو صاحب القصة الشهيرة في الخمسينات «قرية ظالمة»، والدكتور محمد الصياد الجغرافي الكبير كان شاعراً صاحب بيان، وسيد إبراهيم الخطاط العظيم كان شاعراً صاحب بيان، وهو أحد مؤسسي جماعة أبولو، والدكتور حسن حبشي عالم التاريخ شاعر وصاحب بيان، والدكتور محمد يوسف حسن الجيولوجي الكبير، وعميد كلية العلوم بجامع الأزهر سابقاً وعضو مجمع اللغة العربية الآن، أديب يحفظ شعر أبي العلاء حفظاً عالياً، وله في اللغة نظرات جياد نسعد بها في لجنة المعجم الكبير بالمجمع.
ومن وراء هؤلاء طوائف لا تحصى من الأدباء المجيدين الأغفال أصحاب