للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النحو وتاريخ الاهتمام به، ولنترك ونحن بسبيل ذلك القرن الأول وما قيل عن وضع النحو على يد أبي الأسود الدؤلي بإشارة من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ففي تلك الحقبة بعض غموض لا يُفضي إلى الاطمئنان إلى رأي، ولنقفز إلى القرن الثاني، حيث نلقى الخليل بن أحمد، عبقري العربية، وتلميذه سيبويه الذي ترك لنا كتاباً مكتملاً محكماً لا سبيل إلى الطعن فيه أو الغض منه. وتوفي سيبويه على الأرجح سنة (١٨٠ هـ) فكان هذا القرن الثاني هو بداية التصنيف النحوي الذي مهد لما بعده، فجرى الناس في أثره، ولنأخذ القرنين التاليين: الثالث والرابع وننظر في حال النحو في هذه القرون الثلاثة معاً: تأليفاً ومدارسة واهتماماً، وإنما اخترت تلك القرون الثلاثة لأنها تمثل البداية والتدرج والنضج، وسوف ننظر بعد ذلك في حال اللغة والأدب في تلك القرون الثلاثة أيضاً، لنرى أثر الاهتمام بالنحو فيها علواً أو انحطاطاً وفق رؤية الأستاذ حجازي.

على أنه مما ينبغي التذكير له انه كان هناك اهتمام بالنحو في القرنين الأول والثاني قبل ظهور كتاب سيبويه، ولكنه كان اهتماماً بالنحو، لا من حيث هو علم ذ وقوانين وضوابط، ولكن من حيث الاستعانة به في محاصرة اللحن الذي بدا يطغى ويفشو نتيجة اختلاط اللسان العربي بغيره من ألسنة الأمم الوافدة على المجتمع العربي، ونستطيع أن نقول: إن النحو في تلك الفترة المبكرة كان نحو السليقة والفطرة العربية المتوارثة، وهي تلك السليقة التي عبر عنها الشاعر بقوله:

ولستُ بنحوي يلوك لسانَه ... ولكن سليقيٌّ أقول فأُعربُ

وأخبار التصدي للحن ومحاصرته في ذلك الزمان المبكر كثيرة، من أبرزها خبران يتصلان بلحنين وقعا من شخصيتين كبيرتين، لم يمنع مركزهما الاجتماعي من تنبيههما على ما وقعا فيه من خطأ:

الخبر الأول: ما وقع من الحجاج بن يوسف الثقفي "وقد سأل يحيى بن يعمر: أتسمعني ألحن؟ قال: حرفاً، قال: أين؟ قال: في القرآن، قال: ذلك أشنع له! فما هو؟ قال: تقول: {قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وأزواجكم وعشيرتكم

<<  <  ج: ص:  >  >>