وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله} [التوبة: ٢٤]- قرأها برفع (أحبُّ) وحقها النصب لأنها خبر كان - قال الحجاج: لا جَرَم، لا تسمع لي لحناً أبداً، فألحقه بخراسان"، (طبقات فحول الشعراء لابن سلام ص ١٣)، كأن الحجاج غَضِبَ فنفاه.
والخبر الثاني: عن الأخفش، قال: كان أمير البصرة يقرأ: {إن الله وملائكته يصلون على النبي) [الأحزاب: ٥٦]، برفع (ملائكتُه) فمضيت إليه ناصحاً له، فزبرني وتوعدني، وقال: تُلَحِّنون أمراءَكم.
وفي رواية أن اللاحن كان محمد بن سليمان الهاشمي أمير البصرة أيضاً، وأنه رضي عن الأخفش لتنبيهه إياه، وأجازه. (إنباه الرواة للقِفطي ٢/ ٤١).
وقد قلت إن القرون (الثاني والثالث والرابع) تمثل بداية التأليف في النحو وتدرجه ونضجه، ففي القرن الثاني ظهر كتاب سيبويه الرائد، وفي القرن الثالث جاء أبو بكر بن السراج بكتابه الأصول، الذي قيل فيه: "كان النحو مجنوناً حتى عقَله ابن السراج بأصوله". وفي القرن الرابع جاء العَلَم الضخم أبو علي الفارسي، إمام الصناعة النحوية، وتلميذه العبقري أبو الفتح ابن جني، وفي وسط هؤلاء الأعلام ظهر نحاة كثيرون، في البصرة والكوفة وبغداد والشام ومصر والأندلس.
وفي تلك القرون الثلاثة ظهر النحو ظهوراً بيناً على ساحة الفكر العربي، وأخذ الاهتمام به أشكالاً كثيرة: تآليف في النحو خالصة، وأعاريب للقرآن الكريم، وكتباً في توجيه قراءاته والاحتجاج لها، مثل: معاني القرآن للفراء (٢٠٧ هـ) - والمعاني في ذلك الوقت يراد بها الإِعراب - ومجاز القرآن لأبي عبيدة (٢١٠ هـ) ومعاني القرآن للأخفش (٢١٥ هـ) ومعاني القرآن للزجاج (٣١١ هـ) وإعراب القرآن للنحاس (٢٣٨ هـ) والحجة للقراء السبعة لأبي علي الفارسي (٣٧٧ هـ) والمحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات لابن جني (٢٩٣ هـ).
ثم تجلى الاهتمام بالنحو أيضاً في شروح الشعر الجاهلي والإِسلامي، وقد