الذهب وابن عقيل وأوضح المسالك، ولو أن زميلنا العزيز تعلم النحو بعيداً عن هذه الكتب، ووفق منهجه الذي يقترحه اليوم لما استقام له بيان، ولا نهضت له حجة.
وهذا الإِعلال والإِبدال الذي يهزأ به زميلنا العزيز: هو الذي أعانه على معرفة المعجم العربي، بمعرفة الزوائد والأصول في الأبنية العربية، ولولا هذا الإِعلال والإِبدال ما عرف أن "تراث" من "ورث" وأن ميناء من "وَنَى"، وأن "تترى" من "وتر" ... وهلم جرّا. فهذا موضع المثل "أكلاً وذماً".
وما ينبغي أن يكون في تسويغ الزميل العزيز لكلامه أنه يغار على النحو العربي، وأنه يريد له أن ينهض من كبوته، ويقوم من عثرته، لا ينبغي أن يقول هذا؟ لأنه نَقَب نقباً وأباح حمى، فاتكأ بعض الناس على ما قاله في مقالاته الخمس، واندفع يميناً وشمالاً، يحارب بسيفه وينزع عن قوسه، فالزميل العزيز شريك في هذه الحملة الشرسة على النحو العربي، شاء أم أبى، على ما قال الشاعر:
فإلاَّ يكونوا قاتليه فإنه ... سواء علينا مُمْسِكاهُ وضارِبُه
ولو لم يكن إلا الوفاء لهذه السنوات التسع التي قضاها الأستاذ الدكتور أحمد درويش بالأزهر الشريف، فملأت شرايينه بدم العربية، وكست عظمه لحم الفصحى، لكان في ذلك ما يزعه عن الهجوم على النحو العربي، الذي هو ملاك العربية وسلطانها.
إن الأيام الأولى عزيزة علينا، نحرص عليها، ونذود عنها، ونفخر بها، أليس كذلك يا دكتور؟
ولشد ما يعجبني ويؤنسني كلام الأستاذ الشاعر محمد إبراهيم أبو سنة، الذي ما يفتأ يذكر فضل الأزهر عليه، وعلى لسانه، فيقول:"كانت دراستي في الأزهر قد أمدتني بفيض من الأبيات المتناثرة في كتب النحو والبلاغة، وأصبح الشعر هم الليل والنهار"، تجربتي مع الإِبداع (الهلال يونيه ١١٩٤ م)، وأشار إلى مثل هذا أيضاً في الأهرام ٢٥/ ٦/١٩٩٦ م.