قلت: حسبك فقد سقطت مؤونة الكلام بيني وبينك، فأنت غريب المحل، ناء عن الديار.
ثم أزيدك عجباً أيها القارئ الكريم - ومن يعش ير عجباً، كما قالت العرب - أن النحو العربي الآن يهاجم أيضاً من بعض الإِسلاميين الذين يصرخون ليل نهار، دفاعاً عن الإِسلام وخوفاً عليه، ولكن كيف يهاجم هؤلاء النحو؟ سمعت كبيراً منهم في محفل عام يقول:"إن المسلمين الأوائل شُغلوا بإعراب القرآن عن تطبيقه"، وقد غَفَل هذا الغبي - نستغفر الله من فاحش القول - عن أن كثيراً من كلام ربنا عزَّ وجل لا يُفهم ولا يطبق إلا إذا عُرف وجهه النحوي الصحيح، والأمثلة من ذلك كثيرة لا أريد أن أطيل بذكرها، وقد ذكرت شيئاً منها في صدر كلمتي.
وما بقي إلا الإِشارة إلى أن النفخ في نار الهجوم على النحو العربي في هذه الأيام، إنما خرج من كير الزميل العزيز الدكتور أحمد درويش، الذي كتب خمس مقالات بجريدة الأهرام أيضاً، اختار لها عنواناً جذاباً هو "أنقذوا اللغة من أيدي النحاة"، وفي هذا العنوان من الإِثارة وفتح الشهية ما ترى.
وأخطر ما في كلام الزميل العزيز أنه استطال فيه بذكائه، واحتشد له بتلك المصطلحات والتراكيب التي تخطف بصر القارئ وتهزه هزاً وتخيفه و (تَخُضُّه) على ما وصفت من كلام الأستاذ أحمد عبد المعطي حجازي من قبل. وهو نمط من الكلام إن أعجب بعض الناس فإنه عند كثير منهم خفيف هين، كما قال الشاعر:"وخمرُ أبي الرَّوْقاءِ ليست تُسْكِر".
وليس من همي هنا أن أنقض كلام الزميل العزيز أو أرده، فلذلك موضع آخر، لكني أريد أن أذكره فقط بأن هذا النحو القديم الذي سخر منه ومن أعلامه، ثم دعا إلى إنقاذ اللغة منه ومنهم: هو الذي أنطق لسانه وفجَّر بيانه؟ فإن الزميل العزيز ممن ينتمون إلى جيل الحفظة: حفظة المتون، فقد التقى وهو في طراءة الصبا ثم في ميعة الشباب بالتحفة السنية شارحة الآجرومية، وتنقيح الأزهرية وقطر الندى وشذور