وجعلوا من أموالهم نصيباً مفروضاً لطبع الكتب وتعميم النفع بها.
ومنذ منتصف القرن التاسع عشر الميلادي بدأ نهر الخير يتدفق على يد هؤلاء الأثرياء الأبرار الذين سعوا في طبع أصول الكتب العربية، ولن يتسع المقام هنا لذكر أولئك الأثرياء، فلنكتف بأبرزهم، وأولهم: العلامة أبو الطيب صديق بن حسن بن علي بن لطف الله الحسيني القِنَّوْجي البخاري، وهو أحد رجال النهضة الإِسلامية المجددين، وصاحب المؤلفات الشهيرة: الدين الخالص، وأبجد العلوم، والتاج المكلل من جواهر مآثر الطراز الآخر والأول، وكان هذا الرجل مع اشتغاله بالعلم والتصنيف ميسوراً صاحب ثروة، ففد تزوج بملكة بهوبال، فعظم شأنه وكثرت ثروته، وقد كان من فضل الله على هذا الرجل أن وفقه لأن يطبع على نفقته أعلى كتاب في شروح الحديث، وهو "فتح الباري بشرح صحيح البخاري" للحافظ ابن حجر العسقلاني المصري الشافعي.
ومن هذه الطائفة النبيلة: أحمد بك أحمد الحسيني الشافعي المحامي، المولود بالقاهرة سنة ١٢٧١ هـ= ١٨٥٤ م، اشتغل بالمحاماة ونبغ فيها، ثم انقطع للتأليف، فكانت له رسائل معظمها في الفقه الشافعي. وقد أنفق هذا السري النبيل الكثير على طبع كتاب "الأم" للإِمام محمد بن إدريس الشافعي، وقد سمعت من مشايخي من أهل العلم، وعلماء المخطوطات أن السيد أحمد الحسيني هذا، باع "عزبة" من أملاكه للإِنفاق على طبع كتاب "الأم".
ومن وراء هذين الاسمين الكبيرين نرى أسماء كثيرة مضت في ذلك الطريق العظيم.
ولم يقف الأفراد وحدهم لطبع الكتب على نفقتهم، فقد رأينا في ذلك الزمان قيام جماعات من أهل العلم ومحبيه لنشر الكتب الموسوعية، نذكر منها جمعية المعارف بمصر، التي أسسها محمد عارف باشا عام ١٨٦٨ م، وقد وصل أعضاء هذه الجمعية إلى "٦٦١" عضواً، وشركة طبع الكتب العربية سنة ١٨٩٨ م. بل إن جماعة من أهل الخير في مكة المكرمة قد نشطوا للإِنفاق على طبع كتاب خزانة الأدب