الرسالة للشافعي، وطبقات فحول الشعراء لابن سلام، والبيان والتبيين والحيوان للجاحظ، وتأويل مشكل القرآن لابن قتيبة.
وإن اتفق أعلام هذه المرحلة فيما ذكرت، فإن أبا فهر محمود محمد شاكر يقف وحده من بينهم، وينفصل عنهم بأمرين، الأول: أنه صاحب قضية صحبته وأرَّقته منذ النَّانأة - أي منذ صباه ونشأته الأولى - وهي قضية أمته العربية، وما يُراد لها من كيد في لغتها وشعرها وتراثها كله، وقد أبان عن هذه القضية في كل ما كتب، وبخاصة في كتابيه: أباطيل وأسمار، ورسالة في الطريق إلى ثقافتنا، ثم نثرها فيما دق وجل من كتاباته، وما برح يعتادها في مجالسه ومحاوراته، يهمس بها حيناً، ويصرخ بها أحياناً أخرى، لا تفرحه موافقة الموافق، ولا تحزنه مخالفة المخالف.
ولقد حكمت هذه القضية الضخمة أعمال أبي فهر كلها، وهي التي وجهته إلى تحقيق التراث، فكان عمله في نشر النصوص جزءاً من جهاده في حراسة العربية والذود عنها، سواء فيما نشره هو، أم فيما حث الناس على نشره وأعانهم عليه.
الأمر الثاني: أن أبا فهر دخل إلى ميدان تحقيق التراث بثقافة عالية وقراءة محيطة اعتقد جازماً أنها لم تتيسَّر لأحد من أبناء جيله، سواء من اشتغلوا بتحقيق التراث، أم من انصرفوا إلى التأليف والدرس.
لقد القى هذا الرجل الدنيا كلها خلف ظهره ودَبْرَ أذنيه، واستوى عنده سوادها وبياضها، وخلا إلى الكتاب العربي في فنونه المختلفة، والمكتبة العربية عند أبي فهر كتاب واحد - فهو يقرا صحيح البخاري كما يقرأ الأغاني، ويقرأ كتاب سيبويه قراءته لمواقف عضد الدين الإِيجي، وقد قلت عنه مرة بالتعبير المصري:"إنه خد البيعة على بعضها"، وقد كشف هو نفسه عن ثقافته وأدواته، فقال بعد أن حكى محنته عقب ذلك الزلزال العنيف الذي رجه رجاً حين خرج المستشرق الإِنجليزي "مرجليوث" بمقالته عن نشأة الشعر العربي، وما أثاره من شك حول صحة الشعر الجاهلي، وما كان من متابعة الدكتور طه حسين لهذه المقالة، في كتابه:"في الشعر الجاهلي"، يقول في صدر رسالته في الطريق إلى ثقافتنا: "قد أفضى بي ... إلى