وينشط الإِخباريون بتدوين ما وصل إليهم من أخبار الأمم الماضية، والسيرة النبوية وأخبار الصحابة والتابعين، مثل وهب بن منبه وعبيد بن شرية - وهذان كانا في عصر بني أمية - والواقدي وكاتبه محمد بن سعد، ومحمد بن إسحاق، وعبد الملك بن هشام، ومحمد بن حبيب، وأبي الحسن المدائني، والزبير بن بكار.
ويأتي جامعو اللغة والشعر وشُرَّاحه ونُقَّاده: يونس بن حبيب، وأبو عمرو بن العلاء، وأبو عمرو الشيباني، ومحمد بن سلّام الجمحي، وأبو عبيدة، والأصمعي، وأبو زيد الأنصاري، بحار علم جاشت أمواجها وأزبدت وتدفقت.
ويتألق فرسان الترجمة من اليونانية: جبريل بن بختيشوع، ويوحنا بن ماسويه، ويوحنا البطريق، وحنين بن إسحاق، وثابت بن قرّة. ومعظم هؤلاء قد ولي الترجمة في أيام الرشيد والمأمون، وقد كانت صلتهم بالعربية قوية، فيُروى أن "حنين بن إسحاق" - وكان فصيحاً جداً في اليونانية - لزم الخليل بن أحمد حتى برع في لسان العرب، وهو الذي أدخل كتاب "العين" بغداد، كما يقول ابن جلجل في طبقات الأطباء والحكماء.
فهذه أسسى حضارة كاملة، قامت ماتعة فتية في نحو مائة وخمسين عاماً، فأيُّ زمن هذا؟ وأية أمة هذه؟
عاش الجاحظ ذلك العصر كله، وقرأ آثاره كلها، وروى عن رجاله وأعلامه، واستوعب حصاده كله، وأتاه حقه فأودعه جميعه في مؤلفاته الكثيرة، التي يقول عنها المسعودي:"لا يُعلم أحد من الرواة وأهل العلم أكثر كتباً منه". وقد أحصى ياقوت الحموي من مؤلفات الجاحظ مائة وثمانية وعشرين مصنفاً، طبع منها: الحيوان والبيان والتبيين والبخلاء والعثمانية والبرصان والعرجان والعميان والحولان، والرسائل، والتاج في أخلاق الملوك (المنسوب إليه).