ما هذا يا أمير المؤمنين؟ فقال معاوية: إن الكريم طروب. مجالس ثعلب ص ٤٧.
على أن هذه الحركات من الشيخ إنما تدل على حالة مزاجية خاصة كانت تلازمه في دروسه ومجالسه، وهي حالة من البهجة والنشوة كانت تتلبس الشيخ حين يسبح في أنوار القرآن، ويرتع في رياض العربية: فصاحتها وبيانها، وقل من يتنبَه لهذا الأمر في تحليل شخصية الشيخ: إنه يتلذذ بما يقول، ويطرب لما يجري على لسانه، فيتلذذ معه الناس ويطربون، والواعظ الجيد كان يوصف قديماً بالمطرب، قال الذهبي في ترجمة العبادي المذكور قريباً:"الواعظ المشهور المطرب".
وقد صرح الشيخ بهذه الحالة المزاجية، فقال رداً على سؤال للأستاذ صلاح منتصر، عن سر جاذبيته:"يعلم الله أني ما أقبلت على لقاء أو تسجيل أو ندوة أو حديث إلا وأنا أدرك حلاوة ما أقبل عليه" الأهرام ٢٠/ ٦.
وأنت لو أرهفت سمعك مع الشيخ لسمعته حين يحلق مع خواطره يتواجد ويطرب فيقول لنفسه بصوت خفيض ولكنه مسموع - "الله الله" - يعني بالتعبير المصري: الرجل بيشتغل بمزاج - وهذا شيء معهود في قراء القرآن والمطربين، يهمهمون أحياناً تعبيراً عن سعادتهم ونشوتهم، وقد لا يهمهمون ولكن حالتهم المزاجية تدل على ذلك.
وفي تسجيل نادر للشيخ مصطفى إسماعيل في سورة هود، وصل الشيخ رحمه الله إلى درجة عالية جدّاً من حلاوة الصوت وجمال الأداء، فقال له أحد المستمعين:"وحياة النبيّ أنت بتسمع معانا الليلة دي"!
وفي تسجيل حفلة لمطرب المائة عام -كما كان يقول أستاذنا كمال النجمي رحمه الله - محمد عبد الوهاب - صدح بأغنية "كل ده كان ليه"، وكانت الحفلة في نادي الضباط، أوائل الثورة، وصل عبد الوهاب إلى الغاية في الحلاوة والسلطنة، فسمعناه يخاطب أعضاء فرقته الموسيقية:"قولوا لنا حاجة، ما تقولوا لنا حاجة"، كأنه يقول لهم: إنني في حالة من الوجد والنشوة فشاركوني انتم أيضاً في ذلك بالعزف المنفرد (الصولو) على آلاتكم.