للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما موقف الشيخ من غزو الكويت وتأثيم ذلك الغزو، وإجازته الاستغاثة بجيوش غير إسلامية لإِنقاذ الكويت، فلم يكن هذا موقف الشيخ وحده.

ولعل ردنا هذا الموجز على مقالة الدكتور أبو الإِسعاد يكون هو مدخلنا إلى الحديث الموجز أيضاً، عن الطائفة الثانية - ومعظمها من المثقفين والأدباء والجامعيين - التي أعرضت عن الشيخ وأبغضته، ولم تكتف بذلك الإِعراض وهذا البغض حتى ضمت إليهما هزءاً بالشيخ وسخرية منه، فقالوا: إنه رجل دنيا، وإنه ممثل، وإنه بهلوان - ونعوذ بالله من سوء القول، ويستشهدون لذلك بأنه كثير التلفت وتحريك أعضائه والغمز بعينيه.

وهذه حجة داحضة، لأن هذا الذي يأخذونه على الشيخ إنما هو من أدوات الواعظ والخطيب، ولا ننسى أن الشيخ كان في أول أمره معلماً، على أن استعانة الشيخ بجوارحه للشرح والتبيين - فضلاً عن أنه من أدوات الخطيب والمعلم - من أساليب القدماء في الشرح والإِبانة.

قال السيوطي في المزهر ١/ ١٤٤: "إذا سئل العربي أو الشيخ عن معنى لفظ فأجاب بالفعل لا بالقول يكفي، قال في الجمهرة: ذكر الأصمعي عن عيسى بن عمر، قال: سألت ذا الرمة عن النضناض، فلم يزدني على أن حرك لسانه في فيه. قال ابن دريد: يقال: نضنض الحية (الثعبان) لسانه في فيه: إذا حركه.

وقال القالي في أماليه: سئل الأصمعي عن العارضين من اللحية، فوضع يده على ما فوق العوارض من الأسنان".

وحكى ثعلب في مجالسه ص ٤٠٩ عن معاوية أنه قال لعقبة بن أبي سفيان: "يا أخي، أما ترى ابن عباس قد فتح عينيه ونشر أذنيه، ولو قد قدر أن يتكلم بها فعل".

وهذه الحركات من سمات الخطباء والوعاظ، وتجدها كثيراً في البيان والتبيين للجاحظ، وقال الذهبي في ترجمة أبي منصور العبادي، من سير أعلام النبلاء ٢٠/ ٢٣١: "واعظ باهر، حلو الإِشارة، رشيق العبارة"، وأيضاً فإن تحريك الأعضاء يعكس حالة انفعالية يعانيها الشخص، قد تكون رضا، وقد تكون سخطاً. روي أن معاوية سمع رجلاً يغني فطرب لغنائه، فحرك رجله، ففال له عبد الله بن جعفر:

<<  <  ج: ص:  >  >>