للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأول ما أبدأ به الكلام أن أقول: إن ما حدث للأستاذ حسين، ومن قبله للسيدة صافيناز، من جفاف مقابلة الشيخ محمود شاكر، إنما هو ما أسمِّيه: صدمة اللقاء الأول. فمحمود شاكر يحب أن يعجم عود من يزوره أول مرة، وهل يصبر على تكاليف العلم، وأعباء التلقي والسماع، أم هو إنسان جاء (يتفرج على هذه القعدة) ويرى بعض الشخصيات، ثم يخرج إلى الناس ويقول: إني حضرت ندوة محمود شاكر، كهؤلاء الذين يقولون: إننا من تلاميذ العقاد، لأننا كنا نحرص على حضور ندوته، ويعلم الله أنه ما كان يلقي إلى كثير منهم بالاً.

ومحمود شاكر ليس عنده وقت يضيعه في المجاملة والمصانعة. وهذا شيء عرفناه منه، يهاجم في اللقاء الأول هجوماً شرساً، فإذا رأى الذي أمامه حريصاً على العلم راغباً فيه أقبل عليه واستمسك به وشَدَ عليه يد الضَّنانة. وفي محنة هذا اللقاء الأول ثبت من ثبت محسناً في ثباته، ونكص من نكص مسيئاً في نكوصه. ولو أنهم صبروا حتى يطمئن إليهم لكان خيراً لهم.

على أنه مما يزيد في محنة اللقاء الأول أن يكون لهذا الزائر الوافد الجديد صورة سابقة عند الشيخ محمود، كأن يكون منتمياً إلى اتجاه معين، أو يكون قد كتب شيئاً لم يعجب الشيخ.

وسآخذ في مناقشتك الآن يا أستاذ حسين، وسأترك الحديث عن الشتائم التي وجهتها للشيخ، إلى آخر المقالة، حتى تكون آخر ما يذكره القارئ من أمرك.

أولاً: قلت إن مفتاح شخصية محمود شاكر يكمن في إحساسه العميق بالفشل، وفي شعوره بأن حياته قد ضاعت سدى.

أي فشل يا أستاذ وأي ضياع؟ إن الذي يعرف محمود شاكر عن قرب لا يحس شيئاً من ذلك. وقد عرفت هذا الرجل معرفة وثيقة خلال ثلاثين عاماً، وخبرت سواده وبياضه، وكاشفني بذات نفسه ودخيلة أمره وتقلبه في العالَمين، وقد رأيت إنساناً سويّاً واضحاً مكشوفاً، لا يداري ولا يماري، يصرّح ولا يكني، ينطق ولا يجمجم،

<<  <  ج: ص:  >  >>