للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

باطنه وظاهره سواء، وهو سعيد منشرح مقبل على الحياة، يستمتع بطيباتها إذا أقبلت، ولا يحفل بها إذا أدبرت، وينعم بما أفاء الله عليه من مكتبة ضخمة عامرة، لم تتيسّر لأحد من علماء عصرنا، قراها كلها قراءة كتاب واحد، بذلك العقل الذكي الذي يجمع كل شاذَّة وفاذَّة، ثم هو سعيد أيضاً بالقلوب التي تجمعت حوله، طوائف من مختلف البلدان والأعمار والانتماءات، وسعهم هذا البيت الكبير، الذي لم يعرف الرسميات فلم يُفتح لهم ساعة دون ساعة.

وقد وصفت كثيراً مجلس محمود شاكر وما ضمّ من فئات الناس، ونقلت وصف الأديب الكبير فتحي رضوان له، وهو قوله: "كان بيته ندوة متصلة لا تنفض، من أعضائها الثابتين: يحيى حقي إذا حضر من أوروبا، وعبد الرحمن بدوي، وحسين ذو الفقار صبري، وغيرهم وغيرهم، ولم يكن من حظي أن أكون عضواً دائماً فيها، فقد كنت المّ بهم أحياناً، فأراهم وأرى من العالم العربي كله، ومن العالم الإِسلامي على تراميه، شخصيات لا حصر لها، تتباين بعضها عن بعض، في الزي والمظهر والثقافة واللهجة، والشواغل والمطامح، ولكنها تلتفي كلها عند محمود شاكر، تسمع له، وتأخذ عنه، وتقرأ عليه، وتتأثر به، وكلما كان من حظي أن أشهد جانباً من هذه الندوة أحسست بسعادة غامرة، أن يبقى ركن في بلدي كهذا الركن، ينقطع أصحابه للفكر والدرس والتحدث في أمور لا تجد من يسمع بها أو يعرف عنها شيئاً في مكان آخر"، انتهى كلام الأستاذ فتحي رضوان.

ومن الحقائق التي لا تُدفع أنه لم يحظ أحد من الأدباء المعاصرين الكبار، الذين تقام لهم الموالد ما بين الحين والحين، بمعشار ما حظي به محمود شاكر من التلاميذ والمريدين الذين صار كثير منهم رؤوساً ورؤساء ببلادهم ومواقعهم.

أما هذه الحدة التي قي طبع الشيخ - ونحن نعترف بها - فليست نتيجة الإِحساس بالفشل، أو ضياع الحياة سدى. هذه الحِدَّة يا سيدي جاءت نتيجة لإِدراك الرجل لمأساة هذه الأمة العربية التي ورثت مجداً شامخاً أضاعه الورثة من أبنائها. وقد تنبه الرجل منذ طراءة الصبا وأوائل الشباب إلى محنة أمته العربية، في قطع

<<  <  ج: ص:  >  >>