للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النظر والتأمل، فقرأها كلها، أما اليوم فأنت تحس من أول لحظة بأن الأمر هين، بل هو بالغ السهولة.

وبدءه ذي بدء ذي بدء فإني أقول بحق وبصدق إن كثير من الأساتذة الجامعيين علماً، ولكنهم لا يخرجونه، ليس ضناً به ولا كزازة، ولكنهم لا يبذلون جهدًا في قراءة الرسالة الجامعية، لأنهم يزنون الأمور بميزان العائد المادي، فماذا تعطيك الرسالة من المال؟ إن كتابة ثماني صفحات في مجلة كذا تعطيك ثمانمائة جنيه (٨٠٠) مع الشهرة والرنين، ونعم إن الكتابة في هذه المجلة الغنية لا تتاح لكثير منهم، لكن هناك وجوهاً أخرى من الكسب تعطي أجزل مما تعطيه الرسالة الجامعية، ولذلك فإن بعضهم لا يقرأ الرسالة كلها، بل يكتفي منها بصفحات قليلة، يوزعها على امتداد الرسالة أثلاثاً أو أرباعاً، فلا يخرج علمه كله، فهو كما قال الله تعالى: {ولا يُنفِقُونَ إلاَّ وهُمْ كَارِهُونَ} [التوبة: ٥٤].

وعدم قراءة الرسالة كاملة يفضي أحياناً إلى خلل شديد، أعلم يقيناً أن رسالة جامعية للدكتوراه نوقشت وأجيزت بمؤتبة الشرف الأولى، وقد اكتشف الطالب بعد المناقشة أنه سقط منها في أثناء التجليد نحو مائتي ورقة، وكان موضوع الرسالة تحقيق نص من نصوص النحو، وفي الغالب لا يقرأ الأساتذة النصوص المحققة كلها، وهذا هو الذي حجب عنهم اكتشاف هذا السقط.

ومن أمارات الاستخفاف أن بعض الأساتذة يصرح في أول مناقشته بأنه اعتاد ألا يتجاوز ساعة واحدة، كأنه يريد أن يطمئن المشرف والمناقش الثاني والجمهور والطالب، ويظل الحضور ينظرون في ساعتهم. وحين توشك الساعة أن تنقضي يرتفع صوت واحد من الحاضرين: الساعة خلصت يا دكتور، فيرد عليه الدكتور: لا ياخويا، فاضل دقيقتين، ساعتك غير مضبوطة، ويتضاحك الجميع. ومن هنا فقد زالت أسباب الخوف والهيبة عن كثير من الطلبة، وأصبح بعضهم يُنشد بعضًا:

وما هي إلا ساعة ثم تنقضي ... ويذهب هذا كله ويزول

<<  <  ج: ص:  >  >>