ويعيدون نشر ما طبع غير محقق، كان لهذه المجموعة التي يقتنيها معهد المخطوطات فضل كبير على العلم والعلماء، وأخص بالذكر مخطوطات تركيا والهند.
والمشتغلون بالتراث يعلمون أن المخطوطات تتفاضل فيما بينها قيمة ونفاسة، وكان رحمه الله ذا حس دقيق وبصر نافذ حين يتعامل مع المخطوطات، وقد رافقته في رحلتين من رحلات معهد المخطوطات: الأولى إلى تركيا سنة ١٩٧٠ م، والثانية إلى المغرب سنة ١٩٧٢ م، ولقد رأيت منه في الرحلتين عجباً، وأفدت منه علماً كثيراً.
كان رحمه الله أعجوبة في معرفة قصة المخطوطات: المفقود منها والناقص والنادر، وذلك أن الكتاب المخطوط إما أن يكون مفقوداً، بمعنى أنه يتردد ذكره في المراجع، لكنه لا تعرف له نسخة في مكتبات العالم، وإما أن يكون ناقصاً، بمعنى أنه يوجد منه قطعة أو جزء لا غير، وثالث أحواله أن يكون نادراً، لا توجد منه إلا نسخة واحدة. عرف ذلك كله وأحصاه عدداً.
ثم كان أثابه الله آية في تحديد الزمن الذي كتب فيه المخطوط، فقد نظر كثيراً في المخطوطات، وألف أقلام القرون المتقدمة والمتأخرة، ثم عرف قواعد المشارقة والمغاربة في الكتابة، وبهذا الإلف وتلك المعرفة كان يستطيع أن يحدد على وجه التقريب تاريخ كتابة هذه المخطوطات الخالية من تاريخ النسخ، ثم كان قادراً على أن يكشف زيف هذه التواريخ المكذوبة التي تكتب في آخر المخطوط لترويجه أو التكسب به.
وفيما عدا هاتين الرحلتين اللتين رافقته فيهما، سافر رحمه الله في بعثات المعهد إلى المملكة العربية السعودية والقدس وسوريا ولبنان والهند وإيران وإسبانيا والبرتغال. وفي داخل جمهورية مصر العربية جمع مخطوطات نادرة من مكتبات الإسكندرية وطنطا ودمياط وسوهاج. وهو في كل هذه الرحلات كان يلبي حاجة العلماء والدارسين لمعرفته بالكتب التي يُعنون بها.