وكان رحمه الله إذا تكلم في فرع من فروع التراث اعتقدت أنه لا يحسن غيره:
وكان من العلوم بحيث يقضى ... له من كل علم بالجميع
ثم كان آية في إدراك العلائق بين الكتب والمؤلفين: تأثراً أو نقداً أو شرحاً أو اختصاراً أو تذييلاً، وأعجوبة في معرفة أسماء المؤلفين بكناهم وألقابهم، والتمييز بين من اشتركوا منهم في شهرة أو كنية، كالسخاوي القارئ والسخاوي المؤرخ. وهذا فن غاب رجاله، فما أكثر ما نرى في هذه الأيام خلطاً بين أبي حيان التوحيدي الأديب، وأبي حيان الأندلسي النحوي. والأمثلة في هذا المجال كثيرة والإمساك بنا أولى.
وقد تعدى تأثير رشاد عبد المطلب توجيه الدارسين وإفادة العلماء - إلى الطابعين وناشري الكتب، فكان على صلة دائمة بهم، يشير عليهم بطبع أصول الكتب، ويغريهم بالتأنق في إخراجها.
ولقد كان عمل رشاد عبد المطلب بمعهد المخطوطات علامة بارزة في تاريخ نشر التراث في عصرنا الحديث.
ومعهد المخطوطات أنشئ بجامعة الدول العربية سنة ١٩٤٦ م، وهذا المعهد يقوم بعمل جليل، يستهدف استنقاذ تراثنا الإسلامي من عوادي الزمن وغوائل الناس والأيام، وذلك بتصويره من أماكن وجوده في شتى مكتبات العالم، ثم فهرسته وتصنيفه وتقديمه للدارسين.
وقد التحق به رحمه الله سنة ١٩٤٧ م، فشارك في إرساء قواعده، وواكب نشاطه وتطوره، وخرج في بعثاته ينتقي ويختار، وتضم مكتبة المعهد الآن مجموعة نادرة من نفائس المخطوطات في مختلف العلوم والفنون، كان لرشاد عبد المطلب فضل اختيارها والتعريف بها، مع الرواد الأوائل: يوسف العش، ومحمد بن تاويت الطنجي، وصلاح الدين المنجد. وحين وضعت أصول نشر التراث في العصر الحديث - وفي مقدمتها جمع نسخ الكتاب - واندفع العلماء ينشرون ما لم ينشر،