للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشّهيد يغفر له كلّ ذنب إلا الدّين

يَتَجَاوَزُ الله - جل جلاله - عَمَّنْ قُتِلَ في سبيله خَطَايَاهُ كلّها إِلَّا الدَّيْنَ، قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلَّا الدَّيْنَ" (١). ذلك أنّ الدَّين من حقوق العباد، وحقوق العباد مَبْنَاهَا على المُشَاحَّةِ، أمّا حقوق الله تعالى فمَبْنِيَّة عَلَى المُسَاهَلَةِ، قال تعالى: {فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (١٩٥)} [آل عمران].

قَالَ رَجُلٌ: "يَا رَسُولَ الله، أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ الله، تُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: نَعَمْ، إِنْ قُتِلْتَ فِي سَبِيلِ الله، وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ، مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: كَيْفَ قُلْتَ؟ قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ الله أَتُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ؟ فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: نَعَمْ، وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ، مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ، إِلَّا الدَّيْنَ، فَإِنَّ جِبْرِيلَ - عليه السلام - قَالَ لِي ذَلِكَ" (٢).

فالشَّهادة لا تكفّر حُقُوق الآدَمِيِّينَ وكذلك سائر الأعمال الصّالحة، فلا بدّ من إبْرَاءِ الذِّمَّةِ وأداء الدَّين والتَّوبة النَّصوح، أو أن تكون مسامحة.

مَن يؤدّي الله تعالى عنه دينه

لكن إذا كان المسلم يُرِيدُ قَضَاءَ دَيْنِهِ وفي نَفْسِهِ الوَفَاء، ومَاتَ قَبْلَ أن يَفِيَ بِهِ، وَلَمْ يُوَفَّ عَنْهُ فِي الدُّنْيَا، وَفَّاهُ اللهُ تعالى عَنْه، وأرضى خصماءَه، ولَا تَبِعَةَ عَلَيْهِ


(١) مسلم "صحيح مسلم" (ج ٣/ص ١٥٠٢) كِتَابُ الْإِمَارَةِ.
(٢) المرجع السّابق.

<<  <   >  >>