للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فذهب بعضهم إلى القول بكراهة الرّكوب في الذَّهاب مع الجنازة من غير عذر، مع أنَّ الحديث ضعيف، فيه أَبُو بَكْر بْن أَبِي مريم. وَيُعَارِضُهُ مَا أَخْرَجَ ... أَبُو دَاوُد عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: "الرَّاكِبُ يَسِيرُ خَلْفَ الْجَنَازَةِ" (١).

فإذا تقرَّر ذلك، فالقول بكراهة الرُّكُوبِ عند الذّهاب على الإطلاق، فيه نظر؛ لأنَّ القول بالكراهة حكم، والضّعيف لا تقام به الأحكام، والنَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - رخّص بالرّكوب خلف الجنازة، كما تقدَّم، فالأمر واسع، وهناك من وجَّه الحديث ولا حاجة لتوجيهه لضعفه.

ولعلّ في هذه الأيّام يكون الرّكوب ضروريًّا فِي بَعْضِ الْأَحَايِينِ؛ لبعد المقابر، والنّاس فيهم الْكَبِير وَالصَّغِير والسّقيم، ولأنّ الجنائز تكون غالبًا في سيّارة نقل الموتى.

[المشي خلف الجنازة أفضل من الركوب]

لكن نقول المشي خلف الجنازة أفضل من الرُّكُوبِ، والرُّكُوب بعد الفراغ منها لا بأس به، لما روي عَنْ ثَوْبَانَ - رضي الله عنه - بسند صحيح، أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، أُتِيَ بِدَابَّةٍ وَهُوَ مَعَ الْجَنَازَةِ فَأَبَى أَنْ يَرْكَبَهَا، فَلَمَّا انْصَرَفَ أُتِيَ بِدَابَّةٍ فَرَكِبَ، فَقِيلَ لَهُ، فَقَالَ: "إِنَّ المَلَائِكَةَ كَانَتْ تَمْشِي، فَلَمْ أَكُنْ لِأَرْكَبَ وَهُمْ يَمْشُونَ، فَلَمَّا ذَهَبُوا رَكِبْتُ" (٢).


(١) أبو داود "سنن أبي داود" (ج ٥/ص ٩٠/رقم ٣١٨٠) إسناده صحيح.
(٢) أبو داود "سنن أبي داود" (ج ٥/ص ٨٧/رقم ٣١٧٧) وصحّحه الألباني في "الأحكام" (ص ٧٥). وأخرجه الحاكم في" المستدرك" (ج ١/ص ٥٠٧) وقال: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، ووافقه الذّهبي، وهو كما قالا.

<<  <   >  >>