للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "العَبْدُ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ، وَتُوُلِّيَ وَذَهَبَ أَصْحَابُهُ حَتَّى إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ" (١).

والسّمع مقيَّد بأوَّل دخول الميِّت القبر، وتولِّي الأصحاب عنه، لأنَّ الرّوح تعود إليه للسّؤال، وليس المراد أنّه يظلُّ يسمع قرع نعال من تولّى عنه إلى يوم القيامة، وليس في الحديث حجَّة لمن ذهب إلى مطلق السَّماع، لأنَّ السَّماع مقيَّد ومخصوص في وقت مخصوص.

[من أسباب عذاب القبر]

ثبت أنَّ أكثر عَذَاب القَبْرِ مِنَ الغِيبَةِ وَالبَوْلِ، عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "إِنَّ أَكْثَرَ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنَ الْبَوْلِ" (٢).

وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قَالَ: مَرَّ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَلَى قَبْرَيْنِ، فَقَالَ: "إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا هَذَا: فَكَانَ لا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ (٣)، وَأَمَّا هَذَا: فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ، ثُمَّ دَعَا بِعَسِيبٍ رَطْبٍ فَشَقَّهُ بِاثْنَيْنِ، فَغَرَسَ عَلَى هَذَا وَاحِدًا، وَعَلَى هَذَا وَاحِدًا، ثُمَّ قَالَ: لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا" (٤).

والْعِلَّةُ المُوجِبَةُ لِلتَّخْفِيفِ من عذاب القبر لم تكن بسبب الغصنين، وإنَّما كانت بسبب شفاعته - صلى الله عليه وسلم -، ويؤيِّد ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنِّي مَرَرْتُ بِقَبْرَيْنِ يُعَذَّبَانِ،


(١) البخاريّ "صحيح البخاري" (ج ٢/ص ٩٠/رقم ١٣٣٨) كِتَابُ الجَنَائِزِ.
(٢) أحمد "المسند" (ج ١٥/ص ٢٥/رقم ٩٠٥٩) إسناده قويّ، رجاله ثقات.
(٣) أي لَا يَسْتَنْزِهُ عَنِ بَولِهِ، وهذا يترتّب عليه بُطْلَانُ الصَّلَاةِ.
(٤) البخاريّ "صحيح البخاري" (ج ٨/ص ١٧/رقم ٦٠٥٢) كِتَابُ الأَدَبِ.

<<  <   >  >>