للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أُمِّهِ، فَبَكَى وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ، فَقَالَ: "اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ فِي أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأُذِنَ لِي، فَزُورُوا الْقُبُورَ؛ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ المَوْتَ" (١).

[بكاء النبي - صلى الله عليه وسلم - لموت ولده إبراهيم - عليه السلام -]

إِبْرَاهِيم - عليه السلام - وَلَد النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ مَارِيَةَ - رضي الله عنها -، كان إبراهيم - عليه السلام - عند ... أَبِي سَيْفٍ القَيْنِ (الحدّاد) زوج مُرْضِعَته، وَاسْمُهَا خَوْلَةُ بِنْتُ المُنْذِرِ، وكان النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يدخل عليه، فَيَأْخُذُهُ فَيُقَبِّلُهُ، ويشمّه، ثُمَّ يَرْجِعُ، ثم دخل عليه بعد ذلك وهو يموت فَضَمَّهُ إِلَيْهِ، وهو يجود بنفسه الزَّكِيَّةِ بَيْنَ يَدَيْه، فَدَمَعَتْ عَيْناه - صلى الله عليه وسلم -.

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -، قَالَ: دَخَلْنَا مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - عَلَى أَبِي سَيْفٍ القَيْنِ، وَكَانَ ظِئْرًا لِإِبْرَاهِيمَ - عليه السلام - (زوج مرضعته)، فَأَخَذَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِبْرَاهِيمَ، فَقَبَّلَهُ، وَشَمَّهُ، ثُمَّ دَخَلْنَا عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِبْرَاهِيمُ يَجُودُ بِنَفْسِهِ، فَجَعَلَتْ عَيْنَا رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - تَذْرِفَانِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ - رضي الله عنه -: وَأَنْتَ يَا رَسُولَ الله؟ فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا ابْنَ عَوْفٍ إِنَّهَا رَحْمَةٌ، ثُمَّ أَتْبَعَهَا بِأُخْرَى، فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ، وَالقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلا نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى رَبُّنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ" (٢).

فأثبت الدَّمع للعين، والحزن للقلب، وبيّن أنَّ هذا لا ينافي الصَّبر، ولا يُعَدُّ

من الجزع. فإذا بكينا عزيزًا، أو انطوى فؤادنا على حزن لفراق حميم ووحشة لخلوِّ مكانه، فإنَّ لنا أسوة حسنة، فقد بكى لموت الأحبَّة وحزن لفقدهم نَبِيُّ الرَّحْمَةِ - صلى الله عليه وسلم -، فاسمح لقلبك أن يحزن، ودمع العين أن يجري؛ فلن تظلَّ عَيْنٌ على الدَّهر تدمع، ولا


(١) مسلم "صحيح مسلم" (ج ٢/ص ٦٧١) كِتَابُ الْجَنَائِزِ.
(٢) البخاري "صحيح البخاري" (ج ٢/ص ٨٣/رقم ١٣٠٣) كِتَابُ الجَنَائِزِ.

<<  <   >  >>