ماذا بعد الحياة إلّا الممات، {قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ... (٢٦)} [الجاثية]، فإذا دنا أجل الإنسان، ولم يبْقَ إلّا بَقِيَّة رُوح، وأَشْفَى عَلَى أَمْرٍ عَظِيمٍ، وَبَاتَ يُحَشْرِجُ، وأخذت نفسه تتَرَدَّد فِي حَلْقِه تكابد غُصَصَ المَوْت، وَضَاقَ الصَّدْرُ، وزاغ الْبَصَرُ، وبَلَغَت الرّوحُ التَّرَاقِي، واقْشَعَرَّ الْجِلْدُ، وَتَشَنَّجَتِ الْأَصَابِعُ، ومَالَ الأَنْفُ، وانخسف الخدَّان، وغارت العينان، واسترخت القدمان، وأتى اليقين، وعرق الجبين ... فهل إلى خلاصٍ بعد ذلك من سبيل؟ !
هَاكَ نصحي فأَصِخ له ولا تجعله منك بظهر، وأَقْبِل قَبْل أن تعاين الموت وتضيق بك بلاد الله رحبها! اتَّقِ الله فأنت يومًا إلى الله صائر بأعمالك قَدَرًا، واندم على ما فات، وكفَّ عن اجْتِرَاحِ السَّيِّئَاتِ، مخافةَ أن يخونَك لسانُك ساعةَ الاحتضارِ، فتكون ذميمَ المصْرعِ، وخيمَ المرتع، ضيِّقَ المضجع.
إنّ عِنْدَ الله مسأَلَةً فَاحِصَةً، فَأَعِدَّ لها جَوَابًا وجلبابًا، قال الله تعالى: ... {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٩٢) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٩٣)} [الحجر].
ماذا على من نزل به الموت أن يفعل؟ !
دخلت على كَثِير مِنَ المُحْتَضرِينَ، وأعْزِزْ عليَّ بأنْ أراهم مفارقين وعن هذه الدَّار راحلين، وزاد أحزانًا فِي نَفْسِي أنِّي عرفت أنَّ كثيرًا منهم لا يعرف ما عليه فعله في هذه السَّاعة؛ فمن الأمور الَّتي تلزم من كان فِي سِيَاقِ المَوْتِ: أن يرضى بالقضاء ويحمد الله تعالى حتّى على نزع روحه، وأن يحسن الظَّنَّ بالله تعالى، وأن