ليس من إنسان عَلَتْه يومًا ضحكة إلَّا عرَتْهُ بعدها عَبْرَةٌ، ولا أتته ساعة يحبُّها إلَّا أعقبتها ساعة يكرهها، وَلَمْ تَمُرَّ عليه ليلة وهو سليم إلَّا جاءته أخرى وهو سقيم، ولم تظلّه سحابة رخاء إلَّا هطلت عليه سحائب بلاء، لهفي عليك لا تأمن الدَّهر وصروفه، وانظر الموت وصنوفه.
إنَّ الدُّنيا متاع غرور قليل فخلِّها، ولا تطمئنَّ بها، ولا تُطَوِّل أَمَلَك فِي عِمَارَتها، فلم تُخْلَق لِتَجْمَعَ الدُّنْيَا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، فهي دار مَمَرٍّ إلى دار مقرّ، سرعان ما ترحل عنها إلى دار سواها: {يَاقَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ (٣٩)} [غافر]. فأقلّ الهَمَّ فيها، وبعِّد أَمَلك عَنْهَا، وقرِّب عَلَى نَفْسِك أَجَلك، فما فيها لحيٍّ مِنْ بقاء، وصدق القائل:
على زهرَةِ الدُّنْيَا السَّلَام من امرئٍ ... يرى كُلَّ مَا فِيهَا يَزُولُ وَيذْهبُ
وحدِّث نفسك بذكر هاذم اللَّذَّاتِ واغلظ عليها، فكم روَّع الموت قلوبًا، فاستعدّ له لعلَّ وطأته تخفّ عليك إذا نزل بساحتك، قال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ"(١). فلا تأمن الدُّنيا وإن طالت سلامتك؛ فأنت على سفر لا رجعة فيه، فَهَلَّا أعددت الزَّاد لحسن المآب!