للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نفسك لنفسك، واسع فِي دُنْيَاكَ لِآخِرَتِكَ، وأعدّ الْعُدَّةَ لِبُعْدِ الشُّقَّةِ، وتزوَّد من التَّقوى لِلَيْلَةٍ صَبِيحَتُهَا يَوْم الْقِيَامَةِ؟ !

وَعَظَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - رجلًا، وقال له: "اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ" (١).

ازهد في الدُّنيا مقتديًا بالنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - الَّذي زهد في المباح، وكَرِهَ لِابْنَتِهِ مَا كَرِهَ لِنَفْسِهِ مِنْ تَعْجِيلِ الطَّيِّبَاتِ فِي الدُّنْيَا، أَتَى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْتَ فَاطِمَةَ - رضي الله عنها -، فَلَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهَا، وَجَاءَ عَلِيٌّ - رضي الله عنه -، فَذَكَرَتْ لَهُ ذَلِكَ، فَذَكَرَهُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "إِنِّي رَأَيْتُ عَلَى بَابِهَا سِتْرًا مَوْشِيًّا. مَا لِي وَلِلدُّنْيَا" (٢).

ومَرَّ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بِالسُّوقِ، دَاخِلًا مِنْ بَعْضِ الْعَالِيَةِ (٣)، وَالنَّاسُ كَنَفَتَهُ (جَانِبَهُ)، فَمَرَّ بِجَدْيٍ أَسَكَّ (صَغِير الأذنين) مَيِّتٍ، فَتَنَاوَلَهُ فَأَخَذَ بِأُذُنِهِ، ثُمَّ قَالَ: ... "أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنَّ هَذَا لَهُ بِدِرْهَمٍ؟ فَقَالُوا: مَا نُحِبُّ أَنَّهُ لَنَا بِشَيْءٍ، وَمَا نَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: أَتُحِبُّونَ أَنَّهُ لَكُمْ؟ قَالُوا: وَالله لَوْ كَانَ حَيًّا، كَانَ عَيْبًا فِيهِ، لِأَنَّهُ أَسَكُّ، فَكَيْفَ وَهُوَ مَيِّتٌ؟ فَقَالَ: فَوَالله لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى الله، مِنْ هَذَا عَلَيْكُمْ" (٤).


(١) الحاكم "المستدرك" (ج ٤/ص ٣٤١/رقم ٧٨٤٦) وقال الحاكم: على شرط الشّيخين، ووافقه الذّهبي.
(٢) البخاريّ "صحيح البخاريّ" (ج ٣/ص ١٦٣/رقم ٢٦١٣) كتاب الهبة.
(٣) العَالِيَةُ وَالعَوَالِي أَمَاكِنُ بِأَعْلَى أَرَاضِي المدِينَةِ.
(٤) مسلم "صحيح مسلم" (ج ٤/ص ٢٢٧٢) كتاب الزّهد.

<<  <   >  >>