عن الميِّت يجوز من أيّ أحد من وليّ وغير وليّ ويرفع الله تعالى به العذاب؛ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ أبي قتادة - رضي الله عنه -، حيث ضمن الدِّينارين عن رجل هَلَكَ، فَلَمَّا قَضَاهُمَا قَالَ له النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "الْآنَ بَرَدَتْ عَلَيْهِ جِلْدُهُ"(١)، فهذا من السَّعي الَّذي ينفع به المؤمن أخاه المؤمن.
هذا وقضاء الدَّين عن الميِّت ولو من غير ولده شيء، وَالتَّصَدُّق عنه شيء آخر؛ فالأحاديث الَّتي وردت في التَّصَدُّقِ عنه مردّها إلى صدقة الولد عن والديه؛ وهو من كسبهما كما ثبت، فما ينتفع به الميّت من غير ولده يجب أن يثبت بنصّ.
على كلّ، قوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (٣٩)} [النّجم]، ظَاهِرُهُ لَيْسَ للإنسان إِلَّا أَجْرُ سَعْيِهِ وَجَزَاءُ عَمَلِهِ، وليس له شَيْءٌ بغير سَعْيِهِ، لكن لا يفهم من الآية أنّه لَا يَنْفَعُ أَحَدًا عَمَلُ أَحَدٍ، فهَذَا الْعُمُومُ في الآية مَخْصُوصٌ بمثل ما ورد من شفاعة النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - للعباد، ومشروعيَّة الدُّعاء للأموات، وقضاء الدَّين عنهم ونحو ذلك، فمَا خُصَّ بِدَلِيلٍ كان مخصّصًا لما في الآية من عموم.
دخول الأبناء الجنّة بصلاح الآباء دليل على انتفاع الإنسان بسعي غيره
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ... (٢١)} [الطّور]، دليل على أنَّ الإنسان يستفيد بصلاح غيره، فالآية فيها أنَّ الله تعالى يلحق الأبناء إذا كانوا على الإيمان بالآباء تفضّلًا على الأبناء وإكرامًا للآباء، فكما أنَّ الآباء يستفيدون من صلاح الأبناء، فكذلك الأبناء
(١) أحمد "المسند" (ج ٢٢/ص ٤٠٦/رقم ١٤٥٣٦) إسناده حسن.