مَا يُرْجَى للعبد فِي مصيبة الموت إِذَا احْتَسَبَ أصفياءه
على المسلم أن يُوَطِّنَ على الصَّبر نفسه، فيعدّ الصَّبر لفواجع الأمور وتعاظم الشُّرُورِ، فمن يَعِشْ في هذه الحياة ويصحب الدَّهر لَا بُدَّ له من أَنْ يَسْتَعِدَّ فيها للنَّوازل قبل نزولها، وللحوادث قبل حدوثها، ولأحوال الدَّهر قبل حلولها، فيصبر على فراق الأصفياء من الآباء والأمهات، والأبناء والبنات، والإخوة والأخوات، والأحبَّاء وَالْأَخِلَّاء والقرناء.
فكلَّما مدَّ الإنسان في العمر وتراخت منيَّتُه وتقدَّم زمانُه وبعد أجله وأوانه، ولاحَ بياضُ الشَّيبِ فِي مفرقه؛ رأى الفجيعة في أحبَّته، وَالرَّزِيَّةَ في أعزَّته، وكان له من حوادث الدَّهر معتبر، ومن صُرُوف اللَّيَالِي مُزْدَجَرٌ، وفي إخوان له تتابعوا للمنايا واحدًا بعد واحدٍ فكرة إذا افتكر.
والابن لا شكَّ أنَّه من صفوة الصَّفوة، وموته رزء عظيم ومصاب جسيم، وفقده جرح في قلب والديه لَا يَبْرَأُ مِنْهُ إِلَى المَوْتِ، ولو برئ في بعض الغفلات، ولذلك رتَّب الله تعالى على احتسابه الأجر العظيم والخير العميم، قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَقُولُ الله تَعَالَى: مَا لِعَبْدِي المُؤْمِنِ عِنْدِي جَزَاءٌ، إِذَا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا ثُمَّ احْتَسَبَهُ، إِلَّا الجَنَّةُ"(١).
ولا ريب أنَّه بقدر حبور التَّلاقي تكون حرقة التَّنَائِي، كما قالوا في المثل: