أصفياء لا يَصْفُو عَيْشٌ بَعْدَ بعادهم، ومن العجب أن فارقونا ونقوى على العيش بعد فراقهم! ولم نستطع أن ندفع عنهم، أو نحول بينهم، فاخْتُلِجُوا مِنْ بيننا، وخرجوا من الدُّنيا وقد تَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ، وصارت كلّ نفس رهينة عملها، وحبيسة كسبها: {لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ ... (٥١)} [إبراهيم].
فيا أَصَمَّ الأُذْنِ، يا من شغلتْه الشّواغِل، وحالت دون توبته الحوائل، الإنابةَ قبل أن يمدَّ لك الموت يدًا ويسدّ باب الإجابة، إيّاك أن تموت مصرًّا على مَعْصِيَة أَو قانطًا من رَحمة، فتقيم عَلَى مَا لَا قِبَلَ لَكَ بِهِ. إنّ في تأخير التّوبة من الضَّرر ما لا يخطر لك على بال، ولا يدور لك بخيال، فابعد عن المعاصي بعدًا لا بُعْد بَعْده، فَوَاحَسْرَتَاهُ حتّى متى اللَّهْو والسَّهو، {فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ ... (٥)} [العنكبوت]، وكلّ آت قريب.
كم ودِّع بعد طيب حياة إِلْف حبيب، وتفطَّرت عليه من وَجْد أكباد، وتقطَّعت قلوب، بعد أن رحل إلى محلّةِ الأمْواتِ، وكِفاتِ الرُّفاتِ، أصبح بعد الحياة مواتًا، وبعد غضارة العيش رفاتًا.
فاحرص على عمل يُغْفَر به ذنبُك، ويرفع به ذكرك قبل أن تخرج نفسُك، فكم إنسان غاب عنّا في التُّرْب عَيْنًا، وبقي مَعْنىً، وكم من حاضر مَعَنا غائب مَعْنىً، فاستقبِل الموت بتوبة وعمل به ترضى.
الاستعداد للرّحيل والتّأهب للموت
إنَّ امتداد العمر ينذر بفواجع الدّهر، قال تعالى: {وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ (٦٨)} [يس]، وقال تعالى: {ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ