للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً ... (٥٤)} [الرّوم]، وقال تعالى: {وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ ... (٧٠)} [النّحل]. وعَنْ أَنَس - رضي الله عنه -: أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَدْعُو: "أَعُوذُ بِكَ مِنَ البُخْلِ وَالكَسَلِ، وَأَرْذَلِ العُمُرِ" (١)، فما الرّغبة في أرْذَل العمر؟ !

هذا وَمَنْ عُمِّر وارى الأحبَّة كُلَّهم في التّراب، وأُسْلِم لهموم طارقات وغموم سابغات، فَمَنْ لم يذق الموت ذاق ما هو أوجع! قَالَ الإمام الْبُخَارِيُّ:

إنْ عِشْتَ تُفجع بالأحِبّةِ كلِّهم ... وفناءُ نَفْسِك لا أبالَكَ أفْجعُ

ومَنْ عُمِّر وأُخِّر فهو كزَرْع آنَ حَصَادُهُ، ولا عذر له، قال تعالى: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ ... (٣٧)} [فاطر]، وقال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَعْذَرَ اللهُ إِلَى امْرِئٍ أَخَّرَ أَجَلَهُ، حَتَّى بَلَّغَهُ سِتِّينَ سَنَةً" (٢).

ومع هذا فمن النَّاس مَنْ يكبر وتكبر معه الرَّغبة في طول العمر، قال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "يَكْبَرُ ابْنُ آدَمَ وَيَكْبَرُ مَعَهُ اثْنَانِ: حُبُّ المَالِ، وَطُولُ العُمُرِ" (٣).

إنّ الاسْتِعدادَ لِلْمَوْتِ، وتَوْطِينَ النَّفْس عَلَيْهِ، والتَّجافي عن هذه الدّار، علامةُ خير، فما في الحياة بقاء لأحد ولا خلود، فكم من مصبح ينتظر المساء لم يبْلُغْه، وكم من مُسْتَقْبِلٍ ليلة لم يَسْتَكْمِلْها، وكم من رجل مدَّ يده إلى طعام متلذّذًا لم


(١) البخاريّ "صحيح البخاري" (ج ٦/ص ٨٢/رقم ٤٧٠٧) كِتَابُ تَفْسِيرِ القُرْآنِ.
(٢) البخاريّ "صحيح البخاري" (ج ٨/ص ٨٩/رقم ٦٤١٩) كِتَابُ الرِّقَاقِ.
(٣) المرجع السّابق.

<<  <   >  >>