للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يرفعها! وكمْ من طامع غير قانع نَافَسَ النّاس في شَيْءٍ واحتال ثُمَّ تركه وراء ظهره وَخَلَّاهُ، وكم مِنْ سَاعٍ وراء شهواته فَجَأَهُ الموْتُ وأَصَابَهُ قَدَرُهُ، فانطوى صدْرُه على

حسراته، فَوَيْحَكَ حتّى متّى تُفَرِّق عمرك بين الهزل واللّعب؟ !

حَتّى مَتى أنْتَ في لَهْوٍ وفي لَعِبٍ ... والمَوْتُ نَحْوَكَ يَهْوي فاغِرًا فَاهُ

تَلْهو وَلِلْمَوْتِ مُمْسَانا وَمُصْبَحُنا ... مَنْ لَمْ يُصبِّحْهُ وَجْهُ المَوْت مَسَّاهُ

حقيق على كلِّ ذي قَلْبٍ مُنِيبٍ أن يأخذ من دار مماته لدار معاده، وأن يعلم أنَّ الله تعالى أخفى ساعة الموت، فليس له عمر معلوم؛ لنكون على حَذَرٍ فنحن بلا ريب بالأثر.

وَلَوْ أَنَّ العبد أدرك أنَّ له نفسًا تراوده وتطغيه، وشيطانًا يغويه ويعاديه، وقال لنفسه إذا أمرته بالسُّوء: "تَحَمَّدِي يا نَفْسُ لا حَامِدَ لَكِ"، فقد تكون هذه خاتمة عملك ونهاية أجلك، ما تجرّأ على معصية، ولله القائل:

يَا نَفْسُ تُوبِي فَإنَّ المَوْتَ قَدْ حَانَا ... وَاعْصِي الْهَوى فالْهَوى مَا زَالَ فَتَّانَا

عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضي الله عنهما -، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَاشِرَ عَشْرَةٍ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: يَا نَبِيَّ الله، مَنْ أَكْيَسُ النَّاسِ، وَأَحْزَمُ النَّاسِ؟ قَالَ: "أَكْثَرُهُمْ ذِكْرًا لِلْمَوْتِ، وَأَكْثَرُهُمُ اسْتِعْدَادًا لِلْمَوْتِ، قَبْلَ نُزُولِ المَوْتِ أُولَئِكَ هُمُ الْأَكْيَاسُ، ذَهَبُوا بِشَرَفِ الدُّنْيَا، وَكَرَامَةِ الْآخِرَةِ" (١).


(١) الطّبراني "المعجم الصّغير" (ج ٢/ص ١٨٩/رقم ١٠٠٨) وقال الهيثمي في "مجمع الزّوائد" (ج ١٠/ص ٣٠٩/رقم ١٨٢١٤): رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الصَّغِيرِ، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ. وقال العراقي في "المغني عن حمل الأسفار" (ص ١٨٢٨): إسناد جيّد.

<<  <   >  >>