للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فمن اقترض من عِرْض أخيه المسلم شيئًا بِسَبٍّ أو غيبة أو حقّ أو غيره، أو كَانَتْ لأَخِيه عِنْدَهُ مَظْلمَةٌ مِنْ دمِهِ أو ماله أو عِرْضِهِ أو أرضه، فليسأله أن يجعله في حلٍّ منها، وليطلبه ببراءة ذمَّته مِنْ تَبِعَاتِها، وليقل لأخيه: بِعْنِي مَظْلَمَتَكَ، أو ردّها عليّ لتكون قِصَاصًا، فلا أريد أن ألقى الله ظالمًا.

وإعادة الحقوق بأدائها إلى أهلها، أو استحلالهم منها، وطلب العفو والمغفرة أمر ممكن في الدّنيا، أمّا فِي الْآخِرَةِ فإنّ أهْلَ الحقوق أَشَدُّ تَقَاضِيًا؛ لما يرون من الأهوال، فلا يفرِّط أحد بحقّ له، وهو يعلم أنّه سيأخذ من الحسنات في ذلك اليوم، أو يتحلّل من السَّيِّئَاتِ؛ فمن أدّى أو أرضى في الدّنيا، فقد فاز فوزًا عظيمًا، ومن أعرض وأبى، فقد أودى بنفسه وهوى.

فإذا علمت أنَّ التَّقاضي والتَّقَاصَّ في الدِّماء والأموال والأعراض يوم القيامة بالحسنات والسَّيِّئات، علمت لِمَ حذَّر النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - منها: "كُلُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ" (١)، فإيّاك وحمل المظالم، قال تعالى: {وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا (١١١)} [طه].

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ اليَوْمَ، قَبْلَ أَنْ لا يَكُونَ دِينَارٌ وَلا دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ" (٢).


(١) مسلم "صحيح مسلم" (ج ٤/ص ١٩٨٦) كتاب الْبِرِّ وَالصِّلَةِ.
(٢) البخاري "صحيح البخاري" (ج ٣/ص ١٢٩/رقم ٢٤٤٩) كِتَاب المَظَالِم.

<<  <   >  >>