للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذه الشَّدائد سكرةُ الموت، قال تعالى: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (١٩)} [ق]، فقد استعير لفظ السَّكرة لهول الموت وشدَّته. وهناك آيات أُخَر تصوِّر شدَّة الموت، قال تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ ... (٩٣)} [الأنعام]، وقال تعالى: {فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (٨٣)} [الواقعة]، وقال تعالى: { ... كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ (٢٦)} [القيامة].

وقال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ... (٥٧)} [العنكبوت]، أي كلّ نفس تحسُّ بشدَّة الموت عند الاحتضار. ولفظة (ذائقة) فيها استعارة تصْرِيحِيَّة تبَعِيَّة، فقد شبَّه طعم الموت المرّ عند الاحتضار، بطعم الشَّراب المرّ الّذي يتجرّعه الإنسان، واستخدم المشتقّ اسم الفاعل (ذائق)، وعدل عن الفعل (تذوق) للدَّلالة على التَّحقُّق.

ولمّا مرض النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مرض الموت كان عنده عُلْبَةٌ فِيهَا مَاءٌ، فَجَعَلَ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِي المَاءِ، فَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ، وَيَقُولُ: "لا إِلَهَ إِلَّا الله، إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ" (١).

وهذا يدلّك على شدَّة كان يعالجها النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فإذا كان هذا حاله - صلى الله عليه وسلم -؛ فاللَّهُمَّ أعنَّا على مَا بَين أَيْدِينَا، أَعِنَّا عَلَى سَكَرَات المَوْت يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ!

وخير زاد نواجه به الشَّدَائِد أن نحفظ حدود الله تعالى، قال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ... لابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - يَوْمًا: "يَا غُلامُ، أَلا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللهُ بِهِنَّ؟ فَقُلْتُ: بَلَى. فَقَالَ: احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ، تَعَرَّفْ إِلَيْهِ فِي الرَّخَاءِ،


(١) البخاري "صحيح البخاري" (ج ٦/ص ١٣/رقم ٤٤٤٩) كِتَابُ المَغَازِي.

<<  <   >  >>