أخٍ مفارقٌ أخاه، فإذا قَضَى يومًا نَحْبَهُ أَغْمَضَهُ وَسَجَّاه، ثمّ صلَّى عليه وأمكن الأرض منه وحدره في جوانب حفرة وفي التُّرب واراه، وبوَّأه جَدَثَهُ بيديه ورجع وخلَّاه، فيبكي قَليِلاً لَحْدًا ثواه، وينكر قلبًا خافقًا ودَّع ساكنًا ثُمَّ يَنْساهُ.
ويْحَكِ يا نَفْسُ، فما النَّاس إلَّا مُسْتَقْدِم ومُسْتَأْخِر، وسالف وتابع، وسابق ولاحق، وجاء وذاهب، وسار وسارب، فلا المعزِّي ولا المعزَّى بباق ولا خالد.
مَنْ مِنَ الْأَنَامِ راح بالخلود، ونجا من ضمة القبر وَاللُّحُودِ؟! فما مِنْ باكٍ اليوم إلّا غدًا سَيُبْكى، وما مِنْ ناعٍ إلّا سَيُنْعَى، وما مِنْ مشيِّع إلّا سَيُشَيَّع، وكلّ مُغَسِّل سيُغَسَّل، وكلّ حامل ودافن سيُحْمَل ويدفن، وكُلُّ اثْنَينِ إِلَى افْتِراقِ، وكلّ واحد حسابه ملاق، فلا جَرَمَ أنَّ سَبِيلنا إِلَى الْآخِرَةِ، {وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ ... (٤٣)} [غافر].
فماذا بعد الشَّباب إِلَّا الهرم، والصّحة إِلَّا السّقم، والسَّلامة إِلَّا المَنُون، ولو أُخِّرَ الحَيْنُ إلى حِين؟!
لا شكّ أنَّ المنايا بالأحبّة تفجع، وفِطَام النَّفس عَنْ إلفها أعسر محملًا من الجبال الشَّوَامِخ إذا رُمْتَ نقلها، ومصيبة الموت فاجعة من فواجع الدَّهر، تحطم العظم وتُعْظِم الحطم، لكن الغنيمة أن تردَّها بصبر وحسْنِ عزاء، وترضى بالقضاء، فالأجر على قدر الصَّبر والنَّصب؛ فإذا جَلَّت مصيبتُك فَتَجَمَّلْ، لعلَّ الخير عقباك، والأمور إذا تضايقت تلاها اتِّساع، والنَّكَبَاتُ إذا توالت تولَّت، وما أنت في مصيبة الموت بأوحد، ولا بِأَلَمِ الْفِرَاقِ بفريد.
وخير مَا يسلي عن فقد الأصفياء المصيبة بسيِّد الأنبياء - صلى الله عليه وسلم -! فَمَنْ كانت