للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الصّلاح من رجالهم، ويجعلونهم أولياء لهم ويدعونهم من دون الله تعالى، فجاء الأمر بطمسها وتسويتها بصيغة التَّغليظ قطعًا لِلذَّرَائِعِ الموصلة إلى الشِّرك.

وكم نشأ عن رفع سمك القبور من مفاسد في كلِّ مصر وعصر! فالجهلة في كلِّ زمان ومكان يعتقدون ما اعتقده الجاهليّون في أنَّ أصحاب القبور أولياء يملكون جلب النَّفع وكشف الضُّرِّ، فاتّخذوا على هذه القبور المساجد، وجعلوها قبلتهم، وشدُّوا الرِّحال إليها، واستغاثوا بها ودعوا أهلها من دون الله تعالى ...

والسُّنَّة أن يُرْفَعَ القبر نَحْوَ شِبْرٍ ليَتَمَيَّز مِنْ سَائِرِ الأرض، ويُعْلَم أنّه قبر فيزار ويصان ولا يهجر ويهان، فَعَنْ ثُمَامَةَ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ إِلَى أَرْضِ الرُّومِ، وَكَانَ عَامِلًا لِمُعَاوِيَةَ عَلَى الدَّرْبِ، فَأُصِيبَ ابْنُ عَمٍّ لَنَا فَصَلَّى عَلَيْهِ فَضَالَةُ، وَقَامَ عَلَى حُفْرَتِهِ حَتَّى وَارَاهُ، فَلَمَّا سَوَّيْنَا عَلَيْهِ حُفْرَتَهُ قَالَ: أَخِفُّوا عَنْهُ فَإِنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ "يَأْمُرُنَا بِتَسْوِيَةِ الْقُبُورِ" (١).

فمن قول فضالة "أَخِفُّوا عَنْهُ" يفهم أنَّ المراد تخفيف التّراب عن قبره وكراهية رفعه، وليس إزالته بالكليَّة، ويؤيّده حديث جَابِر: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - "رُفِعَ قَبْرُهُ

مِنَ الْأَرْضِ نَحْوًا مِنْ شِبْرٍ" (٢).

أمَّا مَنْ ذَهَبَ إلى أنَّ أمر النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِتَسْوِيَةِ الْقُبُورِ المراد منه أن تسوَّى القبور بالأرض بحيث تَدْرس ولا يبقى لها أَثَرٌ بعد عَيْنٍ، بدليل الحديث: "خَيْرُ


(١) احمد "المسند" (ج ٣٩/ص ٣٥٩/رقم ٢٣٩٣٤) حديث صحيح، وهذا إسناد حسن.
(٢) ابن حبّان "صحيح ابن حبّان" (ج ١٤/ص ٦٠٢/رقم ٦٦٣٥) إسناده صحيح على شرط مسلم.

<<  <   >  >>