للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي آخر الحديث: "قُلْتُ: طَوَّفْتُمَانِي اللَّيْلَةَ، فَأَخْبِرَانِي عَمَّا رَأَيْتُ، قَالا: نَعَمْ، أَمَّا الَّذِي رَأَيْتَهُ يُشَقُّ شِدْقُهُ، فَكَذَّابٌ يُحَدِّثُ بِالكَذْبَةِ، فَتُحْمَلُ عَنْهُ حَتَّى تَبْلُغَ الآفَاقَ، فَيُصْنَعُ بِهِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَالَّذِي رَأَيْتَهُ يُشْدَخُ رَأْسُهُ، فَرَجُلٌ عَلَّمَهُ الله القُرْآنَ، فَنَامَ عَنْهُ بِاللَّيْلِ وَلَمْ يَعْمَلْ فِيهِ بِالنَّهَارِ، يُفْعَلُ بِهِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَالَّذِي رَأَيْتَهُ فِي الثَّقْبِ فَهُمُ الزُّنَاةُ، وَالَّذِي رَأَيْتَهُ فِي النَّهَرِ آكِلُوا الرِّبَا ... " (١).

وقوله: "يُفْعَلُ بِهِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ" دليل على أنّه عذاب القبر، لا عذاب جهنَّم وأنّه إلى يوم القيامة في حقِّ هؤلاء، وقوله: "يُدْخِلُ ذَلِكَ الكَلُّوبَ فِي شِدْقِهِ"، وقوله: "فَيَشْدَخُ بِهِ رَأْسَهُ" يفهم منه أنَّ العذاب يقع أيضًا على الجسد.

فالنَّعيم والعذاب يقع على الرّوح والجسد معًا في القبر، وقد تنفرد الرّوح بهذا أحيانًا. ودليل أنَّ البدنَ ينالُه شيءٌ ابتداءً ما جَاءَ في ضمَّة القبر الَّتي لَا يَنْجُوَ مِنْهَا أَحَدٌ، وليس بمنأى عنها الجسد.

ودليل وقوع النَّعيم أو العذاب على الرّوح والجسد أيضًا، ما جاء في حديث البراء الطَّويل: "فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ، فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ، فَيُجْلِسَانِهِ ... " الحديث، وفيه أنّه إذا أجاب الملكين فإنّه يُنَادِي مُنَادٍ فِي السَّمَاءِ: "أَنْ صَدَقَ عَبْدِي، فَأَفْرِشُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَأَلْبِسُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ، قَالَ: فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا، وَطِيبِهَا، وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ". وفيه وأمَّا العبد الكافر: "فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ، وَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ، فَيُجْلِسَانِهِ، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ لَا أَدْرِي، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ لَا أَدْرِي، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا هَذَا


(١) البخاري "صحيح البخاري" (ج ٢/ص ١٠٠/رقم ١٣٨٦) كِتَابُ الجَنَائِزِ.

<<  <   >  >>