للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مقيّدًا، فالثَّواب يقع للوالد من دعاء ولده ومن غيره من أعماله الصَّالحة، وكذلك الأمّ، وإنّما ذكر الدّعاء تحريضًا للولد على الدُّعاء لوالديه؛ لأنَّ الدُّعاء لهما بالرَّحمة والمغفرة أعظم أَنْوَاعِ الْبِرِّ بهما، ولذلك تجد في القرآن الكريم الأمر به: {وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (٢٤)} [الإسراء]، {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (٤١)} [إبراهيم].

هذا ولا يلحق الوالد من سَيِّئِ عمل ولده لقوله تعالى: {وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ... (١٦٤)} [الأنعام].

فهذه الثّلاثة يجري أجرها بعد الموت، ويلحق ثوابها الميّت، ويبقى الثّواب ما بقيت، ولعلّ أدومها وأطولها مكثًا العلم الَّذي ينتفع به.

ولمّا كان الولد من سعي أبيه وأمِّه، فإنَّ له أنْ يتصدَّق ويصوم ويحجّ ويقضي الدَّين عن والديه، ويلحق ثواب ذلك والديه، فهو داخل في عموم قوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (٣٩)} [النّجم]، والولد من سعي والديه.

ومن الأدلَّة على أنَّ الصَّدقة والصَّوم تلحق الوالدين من الولد الصَّالح بعد موتهما إذا كانا موحّدين، قول النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَمَّا أَبُوكَ، فَلَوْ كَانَ أَقَرَّ بِالتَّوْحِيدِ، فَصُمْتَ، وَتَصَدَّقْتَ عَنْهُ، نَفَعَهُ ذَلِكَ" (١).

وعن ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ - رضي الله عنه - تُوُفِّيَتْ أُمُّهُ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهَا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، إِنَّ أُمِّي تُوُفِّيَتْ وَأَنَا غَائِبٌ عَنْهَا، أَيَنْفَعُهَا شَيْءٌ إِنْ


(١) أحمد "المسند" (ج ١١/ص ٣٠٧/رقم ٦٧٠٤) إسناده حسن.

<<  <   >  >>